آخر المواضيع

منوعات

صوت وصورة

سياسة

اقتصاد

حركة طلابية

نظرية

kj

8/11/2018

اليسار المغربي وقضية المناخ

 لطفي شوقي

عديدة هي المساهمات الأكاديمية و النضالية التي ركزت علي هاته الجوانب في المجال البيئي: 
- تطوير سياحة جماهيرية و فاخرة أدت إلى إنتشار البناء في الشواطئ، و إلى إستغلال كبير للماء بما في ذلك تلبية حاجات ملاعب الغولف التي تستمر في التزايد (و التي تستهلك ما يقارب 101 مليون متر مكعب).
- تطوير الموانئ للزيادة في قدرات الإستقبال و نقل البضائع، مع ما ينجم عنه من تلوث صناعي للمياه البحرية، و ذلك على حساب الموانئ التقليدية أو تلك المرتبطة بالصيد المحلي. و قد أدى مخطط هاليوتيس (Plan Halieutis ) إلى تصنيع الصيد البحري المكثف.

- تطوير الزراعة الصناعية: عبر مشروع تحويل مليون هكتار مخصص لزراعة الحبوب إلى مزارع للفواكه (الموجهة للتصدير) أو لصالح "الزراعات الأحادية". ذلك ما يحصل مثلا مع الطماطم التي تعرف إستعمالا مكثفا للمبيدات و للأسمدة الكيماوية، و للبذور "المنتقاة" في مختبرات الشركات المتعددة الجنسية، و التي تستهلك الماء بشكل مفرط. من جهة أخرى، فإن الزراعة الصناعية تقلص الفرشة المائية و تعتمد بالأساس على الطاقة البترولية. كما أن تقليص إنتاج الحبوب يعني الزيادة في حجم النقل و الإستيراد.

- أزمة الماء: إن الإتجاه العام يؤكد الإنخفاض الإجمالي لكمية المياه الحلوة المتوفرة؛ بحيث ستنخفض بشكل حاد حصة كل مواطن خلال السنوات القادمة. و ذلك بسبب تنامي نطاق التصحر، و تدهور وضعية الفرشات المائية و الناتجة كذلك عن تسرب مياه البحر إليها، و ضياع عشرات ملايين الأمتار المكعبة بسبب إمتلاء السدود بالأوحال، و الإستعمال المفرط للماء في المشاريع السياحية، و خوصصة الموارد الطبيعية ( مثل حالتي بن مسين و إيميضر). و للخطر وجهين: يتمثل الوجه الأول في ظروف هيكلية مرتبطة بالإجهاد المائي (stress hydriques ) تتميز بغياب الكمية و الجودة الكافيتين من الماء الصالح للشرب لقطاعات السكان، أما الوجه الثاني فيتمثل في التقلص الملموس للمساحات الزراعية. و حسب تقديرات الحكومة فإن تلث الإستغلاليات الزراعية قد تصبح غير صالح للزراعة قبل سنة 2050، بسبب المشاكل المرتبطة بالماء. و يفقد المغرب سنويا 22 ألف هكتار بينما تتعرض لخطر التجريف 5 ملايين هكتار ونصف بعد أن صار مليونين هكتار في طور متقدم من التجريف.

- إنتشار الصناعات الملوثة: تساهم المناطق الصناعية المحيطة بالمدن (المعامل الكيماوية و معامل النسيج و الزراعة الصناعية و صناعة التعدين...) بشكل قوي في التلوث الحضري. و تعد بعض هذه الصناعات خطيرة مثل: مركب ماروك شيمي (Maroc Chimie ) و الذي عرف في مرات عديدة تسربات لغازات سامة، أو مثل بناء محطة حرارية في نفس المدينة، آسفي، التي تستعمل الكاربون "النظيف" (و الذي يحتوي على مادة الأرسينيك السامة بمستوى جد عالي!). و تسبب إفرازات هذه المعامل أمطار حمضية لها نتائج مباشرة على الزراعة، و التربة و المواشي، و تساهم بشكل قوي في تلويث الهواء، فضلا عن الماء الملوث الذي يتم تسريبه إلى البحر.

- مشكلة النفايات: تبلغ ما يقارب 5 ملايين طن في السنة. و تنتج الصناعة لوحدها مليون و نصف طن منها 256 ألف طن تعد نفايات خطيرة. و طبعا من دون الإشارة إلى إستيراد النفايات بإسم سوق الكاربون التي تسمح لبعض الشركات أو الدول من شراء "الحق في التلويث".

- الفياضانات داخل المجال الحضري، التي ما فتئت تتزايد، بسبب الأمطار العابرة و القوية التي تفوق قدرات إستيعاب منظومات الصرف الصحي، الغائبة في بعض الأحيان، مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من خطر إختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف، و بالتالي من مشاكل التلوث الناجمة عن ذلك.

- هيمنة نموذج عقاري لا يقوم فيه البناء على العزل، و تستعمل فيه مواد تحتوي على الأميانت الذي يسبب السرطان.

كذلك لا يمكن تجاهل الإتفاقيات الأولية بشأن إحداث محطات نووية و التنقيبات التي من شأنها السماح بإستغلال الغاز الصخري.
و يمكن أن نزيد من طول اللائحة. المهم أن هذه التداعيات، إلى جانب أخرى، تمس أساسا الطبقات الشعبية. لكن في المجمل فإن اليسار لا يزال خجولا، أو غائبا، في هذا المجال و لم يستخلص الدروس اللازمة.

هل نحن أمام يسار غير معني بالبيئة؟

يمكننا أن نبين ذلك من خلال الأمثلة التالية:

في حالة لاسمير و المكتب الشريف للفسفاط: فإن التيارات السياسية و النقابية و الحركات الجمعوية تولي الأولوية لنتائج الخوصصة، و للمشاكل المتصلة بالتسريح من العمل و بالحق في العمل النقابي، و إستيلاء الطبقة السائدة و الصناديق السيادية الأجنبية على الثروات، لكنها لا تولي أية أهمية للطابع الإجتماعي و النافع، أو عدمه، لهذا النموذج الإنتاجي. و بعبارة أخرى: هل سنحتفظ في المستقبل عند إسقاطنا "للمخزن" و "للبيرالية المتوحشة" على هذا النموذج الإنتاجي الغير النافع و الضار؟ هل يمكننا أن نخوض المعارك على جبهة البيئة و أن نتجاهل في الوقت نفسه ضرورة تغيير أو وقف هذا النموذج الإنتاجي، بإسم الدفاع عن مناصب الشغل أو عن الطابع الإستراتيجي للمقاولات الوطنية؟ كيف يمكننا التوفيق بين الدفاع عن مناصب الشغل و الإنتقال الطاقي و وقف نماذج الإنتاج المضرة؟ و يمكننا أن نعطي أمثلة كثيرة في قطاعات مختلفة. فهل يكفي مثلا إصدار بيان حول الخوصصة الجارية التي تستهدف "المارصا" (MARSA ) و الحديث عن المخاطر المحتملة في المستقبل (التصفية القضائية، التسريحات، إلخ) من دون مساءلة الوظيفة الإقتصادية التي تضطلع بها المنظومة المينائية المكرسة في الوقت الحالي بشكل كلي لترويج البضائع و المواد الأولية، و في حالات أخرى للصيد البحري الكثيف.

فالمشكل هو أن اليسار بقي مطبوعا بمقاربة إنتاجوية / إقتصادوية. فهو ينظر إلى مسألة البيئة كنتيجة مترتبة عن منظومة (منطق الربح) من دون الرجوع إلى أشكال تنظيم إنتاج و إستهلاك الطاقة نفسها. و لا يتعلق الأمر هنا بالإقرار بوجود حل سهل، لكنه لا يمكن التقدم نحو تأسيس وعي بيئي جذري في عالم الشغل من دون الخوض في هذه التناقضات. سيما و أن جزءا كبيرا من خطاب السلطة يروج لكون هذا النموذج الإنتاجي يخلق مناصب الشغل.

و تغيب المسألة كليا في الحركة النقابية، بما فيها في القطاعات التي يقودها اليسار. و لا نقصد طبعا البيانان العامة التي يمكن أن تحمل سطرا يشير إلى "المشاكل البيئية"، بل المقصود تحويلها إلى مطلب شامل و التعبئة من أجلها. فإذا أخذنا مثلا الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في تعاطيها مع مشاكل العالم القروي و أوضاع العمال الزراعيين، فإن مطالبها ذات البعد البيئي في قطاع يعتبر من أكثر القطاعات تعرضا للتداعيات المباشرة لأزمة المناخ ،تعد ناذرة. و يكفي المقارنة بين إنتاجات حركة نهج الفلاحين ( VIA CAMPESINA) التي مهدت الطريق للربط بين النضال من أجل السيادة الغذائية، و الإصلاح الزراعي الجذري، و التدبير الجماعي للموارد الطبيعية إنطلاقا من معايير إجتماعية و بيئية ، و بين المطالب النقابية المحضة على المستوى المحلي. بحيث تغيب كليا أو أنها بالكاد تبرز إلى السطح قضايا الماء و أشكال الإستغلال المفرط له، و تنامي التصحر، و آثار إستعمال المواد الكيماوية و مواد الصحة النباتية على الصحة و على جودة التغذية، و التداعيات الملموسة لتدهور إقتصاد الكفاف على البيئة.

كذلك فإن جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، و التي مع أنها تهتم بشروط الحياة و بالحقوق الكونية، فهي قليلة المشاركة في الحراكات الخاصة بالبيئة ، و هي لا تتدخل إلا بشكل محدود في القضايا المتصلة بتدهور البيئة و بالتلوث و مشاكل الصحة العمومية. بينما ترتبط قضية البيئة مباشرة بقضايا أنماط النقل، و المضاربة العقارية، و نمط الحياة، و أنماط التعمير، و بالولوج إلى الماء و الطاقة، و بالأمراض الحضرية و بشروط العمل في عدد من القطاعات. و على سبيل المثال فإنها لم تتحرك على المستوى الوطني للتصدي لقضية إستيراد النفايات من فرنسا و إيطاليا، و هو الحدث الذي يتوافق مع كتابة هذه السطور؛ و الذي تم كشفه في بداية الأمر من طرف الشبكات الإجتماعية.

أما في نطاق المنظمات السياسية فإنه من النادر مصادفة توصيات أو مواقف مصاغة من حول قضية أزمة المناخ، أو حول آثار السياسات اللاشعبية في المجالين الإجتماعي و البيئي. و في أحسن الأحوال، هناك بعض المواقع على الشبكة التي أنجزت ترجمات للتحليلات المبلورة على المستوى العالمي حول هذه القضية، و تحليلات جزئية/قطاعية على المستوى الوطني، لكن من دون الوصول إلى بلورة تفكير مفتوح يمزج بين المهمات المناهضة للرأسمالية و البيئية. و في الغالب هناك نوع من اللامبالاة إتجاه هذه القضية أو تعاطٍ ظرفي موجه لوسائل الإعلام.

و لا يتعلق الأمر، بالنسبة لنا، بالسعي إلى تشويه قوى اليسار، بل نسعى إلى وضع اليد على أوجه القصور و التنبيه إلى التخلف التي يطبع التعاطي مع قضية ستهيكل بشكل مباشر أو غير مباشر النزاعات الإجتماعية و الديمقراطية في المرحلة القادمة و قدرات إعادة بناء مشروع تحرري حقيقي. فهذا اليسار يجهل القوة الجذرية التي تحملها القضية البيئية. بحيث إن الكثير من الحراكات تحمل بعدا بيئيا حتى و لو لم يدرك ذلك من يخوضونها، لكن لا توجد حركة أو مقترحات سياسية لترجمتها إلى واقع.

ترجمة البدوي


المسألة الفلاحية والانتفاضات الشعبية



كانت فرنسا،في نهاية القرن الثامن عشر، قروية ومهنية وكان الفلاحون وقبل انطلاق التجارة الكبيرة، وظهور الصناعة وتقدم الرأسمالية، يرزحون تحت ثقل النظام القديم والاقتصاد التقليدي.
وكانت الطبقات الشعبية ،عاجزة عن إدراك حقوقها، ومدى قوتها، وكانت الحقوق التقليدية، في مجتمع النظام القديم الارستقراطي، تميز ثلاث طبقات:الإكليروس والنبلاء والطبقة الثالثة وكانت الأرض تشكل المصدر الوحيد للثروة، وكانوا الذين يملكونها،أسياداً للذين يعملون فيها،وهم الأقنان.لم يكتف النبلاء، بإرهاق الطبقة الوسطى واستنزافها، بل تجاوزوا ذلك إلى إرهاق الفلاحين،واستنزافهم أيضاً وكانت مستحقات الإقطاعيات والأعشار والضرائب تلتهم،القسط الأكبر من دخل الفلاح،ولم يستفد من هذا الوضع إلا أقلية من الفلاحين،الذين كان لديهم فائض مستمر للبيع في السوق،أما الباقون، فقد لحق بهم الضرر،بشكل أو بأخر وبخاصة عندما تسوء المحاصيل،وتسود السوق أسعار المجاعات.
لقد استمرت فرنسا،بلاداً قروية في جوهرها،وكان الإنتاج الزراعي يسيطر على الحياة الإقتصادية، وهنا تكمن أهمية المسألة الفلاحية خلال الثورة،وأهمية الفلاحين في تاريخ الثورة والتي لم يكن بمقدورها أن تنجح،ولا أن تتغلب على البورجوازية لو بقيت الجماهير الفلاحية سلبية، وكان الحافز الأساسي لتدخل الفلاحين،في مجرى الثورة،مسألة حقوق الأسياد، واستمرار الإقطاع وهذ االتدخل تسبب بانهيار النظام القديم الإقطاعي.
وفي الأرياف، كان العمال اليدويين والمياومين الزراعيين، يؤلفون بين القرويين الأحرار بروليتاريا زراعية ، يتزايد عددها باستمرار وعلى حساب الفلاحين المالكين،ومع ارتفاع الأجور، كانت تزداد ظروف معيشة هؤلاء البروليتاريين خطورة بسبب ارتفاع الأسعار، وكان عدداً كبيرا،ً من الفلاحين الصغار، لا يملك إلا أرضاً محدودة، إما عن طريق التمليك أو التأجير فكان عليهم،أن يجدوا مصادر إضافية في العمل المأجور، أو في الصناعة القروية،وكان الملاكون الكنسيون والنبلاء، يعطون أراضيهم بالمزراعة، وفي أغلب الأحيان بالحصة وكانوا يحتكرون كل الأراضي المعروضة للتأجير، على حساب ضرر المياومين والقرويين الصغار،فأثاروا ضدهم حقد الجماهير الفلاحية وغضبها مساهمين بذلك بتحويلها إلى بروليتاريا.
وعلى هذا النحو، كان المجتمع الفلاحي،يحتوي ظروفاً ومتناقضات بمقدار ما يحتوي مجتمع المدن:المزارعون الكبار والفلاحون المزارعون بعقد والمزارعون بالمناصفة وصغار القرويين الملاكين والمياومين.
وقد جعلت الردة الإستقراطية،التي تميز بها القرن الثامن عشر، النظام الإقطاعي أشد إرهاباً، فكانت الأحكام الإرستقراطية ترهق الفلاحين، والأسياد يهاجمون الحقوق الجماعية،وحق استعمال الأملاك العامة.
وإبان الأزمات، وفي عامي 1788-1789 كان الفلاح المتوسط، يعيش في الأيام الطبيعية، من دخل أرضه، ولكنه قد يضطر في مرحلة الأزمة، إلى شراء الحبوب بأثمان مرتفعة، بعد أن يسدد العشر وحقوق السيد.
وعشية الثورة الفرنسية، كانت فرنسا تعاني من تخلف الأرياف، ولم يكن أصحاب الامتياز، يبحثون إلا عن زيادة مداخليهم، دون الاهتمام بكل المشكلة الزراعية وكانت تثير البورجوازية،امتيازات الضرائب والألقاب، ورغم الخلافات بينها وبين الجماهيرالشعبية، فإن الإثنتين وقفتا ضد الارستقراطية،لأن العمال والحرفيون كانوا يشتكون من النظام القديم، وكانوا يكرهون النبلاء،بسبب امتيازاتهم وغناهم العقاري ولقد اشتد هذا التناقض الجوهري لأن عمال المدينة، كانوا يتحدرون من أصل فلاحي.
وفي نيسان عام 1789 انفجرت في باريس، أول مظاهرة وضد أحد أرباب العمل(صاحب مصنع لصناعة الورق) وكانت الأسباب الاقتصادية-الاجتماعية هي التي حركت هذه التظاهرة،وكان لهذه الاحتجاجات الشعبية،وفيما بعد نتائج سياسية تجسدت في زعزعة الحكم.
وكانت الطبقات الشعبية، تطالب بتخفيف الأعباء الضريبية، وعلى الأخص إلغاء الضرائب الغير مباشرة، والأتاوات واستمر الخبز المطلب الأساسي للشعب، وفي عام 1788 كانت الأزمة الزراعية،أعنف مما عرفه القرن، ولقد ظهر القحط في الشتاء، فكثر التسول الناجم عن البطالة،وشكل هؤلاء العاطلون عن العمل والمتضورون جوعاً أشد عناصر الجماهير الثورية.
أحد لا يستطيع أن ينكر،أهمية الجوع، في إطلاق الثورة، وقد حرك البؤس،الجماهير الشعبية،فضلاً عن أن التراجع الإقتصادي والأزمة الدورية التي انفجرت في عام 1788 كانتا مسؤوليتن و بالدرجة أيضاً عن أحداث ثورة 1789.
عدا عن المعطيات الاقتصادية، ينبغي البحث أيضاً،في الأسباب العميقة للثورة الفرنسية، أي في تناقضات النظام القديم، ومؤسساته وبين الحركة الاقتصادية-الاجتماعية من جهة أخرى، وعشية الثورة، استمرت أطر المجتمع ارستقراطية وكان نظام الملكية العقارية ، ما يزال إقطاعيا ًوكان عبء الحقوق الإقطاعية والعشور الكنسية ، يثقل كاهل القرويين، في الوقت الذي كانت تتطورفيه وسائل الإنتاج والمبادلات التجارية ، التي عليها كانت تبنى القوة الاقتصادية البورجوازية،فكان التنظيم الاجتماعي-السياسي للنظام القديم،الذي يكرس امتيازات الارستقراطية العقارية،يعطل نمو البورجوازية.وبات يطرح على جدول الأعمال مسألة إزاحة الطبقة السائدة، لتخلفها طبقة سائدة جديدة، أقدر منها على متابعة سيرورة تقدم الإنتاج.وهذا الصراع بين الطبقة السائدة القديمة،وبين الجديدة المرشحة لخلافتها،هو في حقيقة الأمر،توتر و تأزم بين صراع علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج، واللحظة التي يتصاعد فيها،ضغط قوى الإنتاج على علاقات الإنتاج،إلى حد تفجيرها،هي لحظة ثورية حاسمة حقاً،لأنها اللحظة،التي يتحول فيها الضغط الكمي،إلى انفجار نوعي ويتحقق من جديد،التطابق المطلوب، بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وهو التطابق الذي يتم،عن طريق نسفها،واستبدالها بعلاقات جديدة، قادرة على احتواء كل ما تراكم من قوى الإنتاج،وعلى توفير شروط أفضل، للمزيد من تراكمها وتطورها.
والثورة ليست ضرورية، بالنسبة للبورجوازية الصاعدة، إلا بوصفها الوسيلة الوحيدة للإطاحة بالطبقة التي كانت سائدة قبلها.
وهكذا تكون العلاقات الاجتماعية في الأرياف، قد بطلت تدريجياً،بفعل تغلغل العلاقات الرأسمالية، ولقد خلق الإقطاع،الشروط التي كانت باستطاعة الطبقة البورجوازية،أن تنمو فيها،ولقد قادت أقلية بورجوازية مع الطبقة الثالثة، ثورة 1789 يساندها ويدفعها في مراحل الأزمة، شعب المدن والأرياف،وبفضل التحالف الشعبي، فرضت البورجوازية على الحكم الملكي، دستورا،ً منحها جوهر الحكم واكتملت الثورة في تموز،وحلت السيادة المطلقة،بفضل تحالف نواب الطبقة الثالثة.
وبعد استيلاء البورجوازية على السلطة، والتي كان لها منظور ليبرالي، من الوجهة الاقتصادية، فقد تركزت سياساتها تجاه الفلاحين، في إغلاق الأراضي العامة وتشجيع أصحاب المشروعات الريفية"الفلاحين الملاكين" وعاد شعب الأرياف وانتفض من جديد، وهو الذي انتظر بفارغ الصبر، جواباً على مطالبه ،خلال صراع الطبقات، ولكن لم تستجب البورجوازية المنتصرة، وزادت الأزمة الاقتصادية من حدة الاستياء، ولم يحصل الفلاحون،على محصول يكفي قوتهم،وتعمقت الأزمة الصناعية،في المناطق التي تنتشر فيها الصناعة الفلاحية، فكثرت البطالة، وانفجرت أربع ثورات، وكانت الثورات الزراعية،موجهة وقبل كل شيء،ضد الإرستقراطية،والحقوق الإقطاعية،إضافة إلى البؤس الناجم،عن الاستثمار المزمن،ونقص المعيشة والغلاء والخوف من المجاعة. وكل هذه العوامل،تضافرت لخلق مناخ من الخوف، فخرجت الأرياف منه متبدلة وقضى التمرد الزراعي،مع ثورة الفلاحين،على النظام الإقطاعي،وما لبث أن ظهر التناقض من جديد،بين الطبقة البورجوازية والفلاحين، فعلى غرار النبلاء، كانت بورجوازية المدينة،تملك العقارات،وكانت تملك إقطاعات، وتجني من القرويين ضرائب،وأصاب البورجوازية الرعب من اندلاع ثورة الفلاحين،والتي يمكن أن تهدد مصالحها المباشرة، والتجئت إلى القمع،كي تسحق الثورة، ووقعت على أثر ذلك صدامات بين العصابات الفلاحية والميليشيا البورجوازية. وأمام التهديد بثورة اجتماعية،توطد التحالف بين الطبقات المالكة ، من بورجوازية ونبلاء ضد الفلاحين،الذين يناضلون لتحرير أرضهم، وكان هذا المظهر من الصراع الطبقي، واضحاً حيث ساندت البورجوازية النبلاء، بينما تحول العطف الشعبي إلى الفلاحين الثائرين.
ولم يكن للمؤسسات الجديدة، من هدف، سوى تأمين سيادة للبورجوازية المنتصرة، ضد كل ردة هجومية،تقوم بها الارستقراطية والحكم الملكي،وكذلك ضد كل محاولة للتحرر الشعبي، وفي الوقت الذي كانت فيه،البورجوازية الرأسمالية تطالب بالحرية الاقتصادية، كانت الجماهير الشعبية تعبر عن عقلية معادية للرأسمالية.
ولا ضير من القول،بأن البورجوازية استفادت من حرية التجارة، وحرية الملكية بعد إزالة النظام الإقطاعي،وكانت حرية العمل،مرتبطة بحرية المشاريع، ولم يعد مسموحاً القيام بتجمعات شعبية، ومع ذلك شهد ربيع 1791 تكتلات عمالية،أثارت قلق البورجوازية التأسيسية،وكانت هذه الأخيرة ترتجف رعباً،من تقدم الحركة الشعبية، إذ وبمقدار ما كانت ترتعد فرائصها،خوفاً من الثورة الإرستقراطية المعاكسة،وكانت البورجوازية التأسيسية،تخشى ثورة الفلاحين،وتخاف من الحركة الشعبية في المدن، وتوحدت قواها،عقب التضخم المالي، في وجه الحركة الشعبية مخافة أن تتطور إلى ثورة اجتماعية،يطلقها القحط من جديد.
غني عن البيان القول،بأن الثورة الفرنسية،وبحسب توصيف المفكر سمير أمين،لم تكن مجرد ثورة بورجوازية،أحلت النظام الرأسمالي،محل النظام القديم،وسلطة البورجوازية، محل الإرستقراطية، بل هي ثورة شعبية ديمقراطية وفلاحية،تحوي بذور الثورة الاشتراكية ، لم تتوفر شروطها. ولم تدمر البورجوازية النظام القديم إلا بفضل،مساعدة الشعب والفلاحين، واليعاقبة الذين دفعوا بالإصلاح الزراعي،إلى ما هو أبعد، مما أراده دعاة التنمية والعمال الزراعيين.
وماذا عن أوضاع الفلاحين في بعض البلدان؟
كانت الأوضاع في الأرياف، بالغة السوء، وحصلت أكثر من مجاعة،دفعت المزارعين، إلى الهجرة ، وكان الألمان و قبل المجاعة الإيرلندية، هم المصدر لأكبر موجات المهاجرين،وبعد انتهاء الحروب الفرنسية، وفي عام 1847 مات نحو مليون شخص،جوعاً ومليونين أخرين،هاجروا وفي الفترة بين 1789- 1848 كان من سوء طالع المرء،أن يكون فلاحاً ، في الهند وإيرلندا، وذلك لأن تطبيق الليبرالية البريطانية،على الأراضي الهندية، لم يسفر عن قيام فئة من ملاك الإقطاعات ولا طائفة من صغار الفلاحين المالكين،بل أسفر،عن قيام شبكة معقدة،من الطفيليين المستغلين، للقرى الأمر الذي أدى،إلى تحويل الهند،إلى مزرعة غلال لانكلترا، وإلى تعاظم ديون الفلاحين وارتفاع نسبة الفقراء.
أما إيرلندا، فكانت بلداً متخلفاً على الصعيد الإقتصادي، يفتقر أهله إلى الأمن،وكان المستأجرون الذين يعيشون من الزراعة،على مستوى الكفاف، يدفعون الحدود القصوى للإيجار لمجموعة قليلة من أصحاب الأرض الأجانب، الذين لا يفلحون ولا يزرعون وكانت قد لجمت الصناعة، بفعل السياسة التجارية للحكومة الاستعمارية البريطانية وفي فترة لاحقة، بفعل منافسة الصناعة البريطانية، التي شجعت سادة الأرض وبأقصى عدد ممكن من المستأجرين ، الذين يدفعون الإيجار لفلاحة المزارع الجديدة،التي تصدر المواد الغذائية الى الأسواق البريطانية المتزايدة وحاولت الليبرالية الاقتصادية،حل مشكلات العمال بأسلوبها الفظ، وأرغمتهم على قبول العمل،بأجر زهيد أو الهجرة وكان العمال الزراعيون في واقع الأمر يعانون البؤس في كل مكان.
لا ضير من القول،بأن أوضاع الفلاحين كانت مروعة بين العامين 1815-1848 ولا شك بأن مستوى الفقر، كان أسوأ في الأرياف، ولا سيما في أوساط الفلاحين المأجورين، الذين لا يمتلكون الأرض أو كانوا يعيشون في أرض قاحلة.
وعجلت رسملة الزراعة،ودخول العلاقات الرأسمالية إلى الأرياف، بهجرة الفلاحين وحولتهم الى عمال مأجورين في المدن الصناعية.
من الجدير ذكره، بأن الحركات العمالية، لم تكن حركات بروليتارية في البداية سواء من حيث تكوينها أم من حيث إيديولوجيتها وبرامجها،أي أنها لم تكن تضم عمال المصانع والمعامل، أو حتى حركة تقتصر عضويتها على العمال المأجورين بل إنها كانت،جبهة مشتركة، تضم جميع القوى والنزعات،التي تمثل الكادحين الفقراء،وكانت هذه الجبهة المشتركة، قائمة منذ وقت طويل غير أن زعاماتها وتطلعاتها، وحتى أيام الثورة الفرنسية، كانت تتحدر من أوساط الطبقة الوسطى الليبرالية أو الراديكالية، فاليعاقبة واللامتسرولين، هم الذين أضفوا طابع الوحدة على التقاليد الباريسية الشعبية، وراحت الجبهة المشتركة،تتصدى للطبقة الوسطى الليبرالية، وللملوك والارستقراطيين، وما وحد صفوفها،كان برنامج البروليتاريا وايديولوجيتها، سيما وأن الوعي البروليتاري، ارتبط بما يمكن أن نسميه الوعي اليعقوبي، وكانا يكملان بعضهما البعض.
الثورة الروسية والمسألة الفلاحية:
لم يكن ماركس يحب روسيا كثيراً،وكان يرى فيها وطن الاستبداد الشرقي،ومعقل الرجعية الأولى في أوربا،وهو القائل:إذا كانت روسيا بلاد فلاحين،فهي بالضرورة بلاد همج،وعموماً كان حكمه قاسياً،على الفلاحين الطبقة التي اعتبرها،الأكثر جموداً وسكوناً وكان يقصد الفلاح،المحافظ البونابرتي النزعة،الذي اعتبر الثامن عشر من بروميير،نصراً مؤزراً لهم،لأنه اليوم الذي انتقموا فيه،من سكان المدن وأعلنت الامبراطورية من جديد،الامبراطورية التي هي،دولة الفلاحين المفضلة،وأقسى حكم أصدره ماركس،عليهم أن السلالة البونابرتية،هي سلالة الفلاحين وعلى وجه الخصوص،الفلاح الصغير،الذي لا يريد أن يتحرر من شروط وجوده الاجتماعي المتمثلة،في قطعة الأرض الصغيرة،الفلاح الذي يريد تدعيم الملكية،ووهم الملكية هي سر شقاءه،ولكن ما إن تبدأ،العلاقات الرأسمالية بغزو الريف،وتقوم البورجوازية،بسلب الأرض من الفلاحين،التي ملكتهم إياها بالأمس،حتى يعي الفلاح بأن حليفه الصادق ستكون البروليتاريا الصناعية. 
وإذا لم يتجاوزالفلاح الصغير حس الملكية،سيكون رديفاً للقوى المضادة للثورة،ويمكن أن يمنح ثقته،لكل من يعده بحماية ملكيته الصغيرة،ضد القوى الاقتصادية التي تحاصرها ولذلك اعتبر ماركس،روسيا البلد المتخلف الزراعي الفلاحي،غير مؤهل لقيام ثورة ويعود ذلك،لعدم نضج الشروط الموضوعية والذاتية،كما أن القوى المنتجة،لم تصل للحد الذي يدفعها،الى اندلاع الثورة،وتوقع حدوثها،في بريطانيا،البلد الذي لم يعد فيه فلاحون، فضلاً عن تركز الملكية العقارية في عدد ضئيل من الأيدي وهو البلد الذي هيمن فيه الشكل الرأسمالي،على الإنتاج برمته، حيث يشكل فيه العمال المأجورين،غالبية السكان ووصل فيه الصراع الطبقي،والتنظيم النقابي للطبقة العاملة إلى أعلى درجة معينة من النضج والشمول الأمر الذي أدى إلى هيمنتهم على أسواق العالم.
لكن ماركس لم يكن متشدداً بمواقفه،وترك الباب مفتوحاً، بما يخص اندلاع الثورة في روسيا،معتبراً المشاعة الروسية،هي نقطة انطلاق التغيير الاجتماعي في روسيا وإنقاذها،سيكون مشروطاً،بقيام ثورة روسية. 
وعلى هدى أفكار ماركس،وانطلاقاً من خصوصية التركيب الاقتصادي-الاجتماعي الروسي، قرأ لينين الماركسية قراءة روسية،وطوعها بما يناسب الخصوصية الروسية،سيما وأن الماركسية ليست نظرية مطلقة، ومخططاً إلزامياً لجميع المجتمعات الماركسية،وهي ليست سوى، تفسير لتكوين اقتصادي-اجتماعي محدد. لذلك،بدأ لينين بنقد أطروحات الشعبيين، أصحاب نظرية الاشتراكية الفلاحية واعتبرها بالغة الخطورة،لأنها تتوجه إلى الفلاحين، كطبقة متجانسة من دون إجراء أي تمايز،واذا كان الفلاح الروسي (والكلام للينين) فقيراً في وعيه السياسي والجهل السياسي سمة من سماته ،فإن نظرية الاشتراكية الفلاحية،ستساهم بإفقاره ويتذرع دعاة هذه النظرية،بأنها تريد إنقاذ الفلاح والمشاعة،وإنقاذ أرضه واستثمارها من جشع الرأسماليين،ولكن لا يعلمون بأن قطعة الأرض،هي سبب شقائه وبؤسه.لأن الرأسمالية والتي دخلتها روسيا حديثاً، ستثقل كاهله بالديون والفوائد، بسبب حيازته لقطعة الأرض هذه وانقاذ ملكيته، ليست إنقاذاً له،وإنما إنقاذًاً للقيود، التي تشد الفلاح إلى بؤسه،وإذ كلما غزت العلاقات الرأسمالية الريف،وحلت محل العلاقات الإقطاعية،كفت الطبقة الفلاحية،عن أن تكون واحدة،وانقسمت إلى بروليتاريا ريفية وبورجوازية ريفية،وحينها تصبح نزعة المغامرة الثورية،نزعة خطيرة فيما يتعلق بمنظور الثورة الاجتماعية في الريف،لأن هذه النزعة،لا تأخذ في حسابها تمايز وتناحر المصالح الطبقية،لتلك المروحة الاجتماعية الواسعة،المتمثلة فيما يسمى "الطبقة الفلاحية" ويمكن تميز ثلاث شرائح اجتماعية:
الفلاحون الأغنياء: الكولاك وهم يملكون الأرض،ويستأجرون عمل الغير ويكتنزون المال.
الفلاحون المتوسطون الذين يعيشون من عملهم،لا من عمل الغير ويقعون بين الأغنياء والفقراء.
الفلاحون الفقراء:الذين لا يملكون،وكلما وقعت مجاعة،وساءت المواسم،لحق الدمار بعشرات الألاف،من أصحاب الاستثمارات الصغيرة،وهؤلاء،سوف يبيعون ما تبقى لديهم،وسيهاجرون الى المدن،وسينضمون الى صفوف البروليتاريا الزراعية. 
الفلاح الغير مالك وهو الذي يعتاش،من العمل المأجور،إنه توأم عامل المدن وحليفه في النضال ضد المالكين.
غني عن البيان القول،بأن المسألة الزراعية،هي محور الثورة الروسية،وهي التي أعطت الثورة طابعها القومي،وبهذا المعنى،كانت الثورة الروسية، ثورة فلاحية أكثر منها ثورة بلشفية،وكانت الأرياف،تمثل الجانب الأكبر، من إيرادات الضريبة الروسية،كما كانت الضرائب العالية،مع التعريفات الحمائية والاستثمارات الضخمة الوافدة،عنصراً جوهرياً،في مشروع تقوية روسيا القيصرية،عن طريق التحديث الاقتصادي،وحقق المزج بين رأس المال الخاص،ورأسمالية الدولة، نتائج مذهلة الأمرالذي أدى، إلى زيادة عدد البروليتاريا الصناعية،مع ما استتبع ذلك، من ولادة بواكير حركة عمالية،ملتزمة بالثورة الاجتماعية،وبالفعل فقد استثار النضال البروليتاري،أكثر من 50 مليون من الفلاحين، وفي خريف 1905 بلغت الحركة الفلاحية،أبعاداً أكثر من قبل،إذ كان العمال والفلاحون، يحصدهم الجوع والعمال يهيمون بلا عمل،وهم في معظم الأحيان،يفقدون كل شيء، ففي كل سنة، كانت تغلق بيوت عشرات ومئات الألوف من الفلاحين،والحرفيين ويسلمون حصصهم من الأرض للمشاعة مجاناً،ويغدون عمالاً زراعيين، ولم تتوقف الاضطرابات الفلاحية وتلاقت مع الحرة الاضرابية الجماهيرية في المدن،وسحقت انتفاضتهم هذه لأنها قامت بها جماهير، غير واعية، لا مطالب سياسية محددة لها ولم تهيأ وتحضر كما يجب وذلك لعدم كفاية الوعي الطبقي،والتنظيم الداخلي لطبقة البروليتاريا،وهذا ما جرى تدراكه ، عشية ثورة أكتوبر والفضل يعود، للقائد الثوري لينين، والذي اشتغل وبكل عبقرية ثورية،على العامل الذاتي وساهم بإنضاجه،مع أن القوى المنتجة لم تتطور إلى الحد الذي يدفع باتجاه الثورة ، ولم يكن هناك بورجوازية شبيهة ببورجوازية ثورة 1789 الفرنسية،التي ركزت قوى الإنتاج بين يديها وهذا التركز وحده،الذي يقدم الدليل،على أن الشروط الموضوعية للثورة قد نضجت،ولكن وبحسب ماركس،يمكن للعامل الذاتي أي "الأحزاب" والوعي أن يلعبا دوراً هاماً، ويعوضان عن نقض ونضج الشروط الموضوعية.
والأحزاب الثورية، تمكن العمال وعموم الكادحين،من تملك الوعي الثوري والوعي بشروط حياتها البائسة،وعندها فقط، سوف تعي رسالتها التاريخية،ويكون البؤس قد تحول الى وعي البؤس.
وعبقرية لينين،تكمن بقربه من الجماهير،ومعرفة ما تريده ، وكان تمرسه في الواقع السياسي، قد أنقذه من الجنوح نحو المثالية والحلول الشكلية،وأكثر ما كان يشغله هو كيفية إعطاء الطبقة، وعياً بذاتها،وبعينيتها،أي بمهامها وكان يدرك،بأن البؤس في الأرياف،لا يقل عنه في المدن،وكان الفلاح يجهل،من أين يتأتى هذا البؤس،وكيف يتخلص من هذا الفقر، وللإجابة على هذا التساؤل، ينبغي معرفة وضع الفلاحين الطبقي في الريف، إذ كلما اتسع التحالف بين العمال والفلاحين،وترسخ كلما أدرك الفلاح المتوسط، كل كذب الوعود البورجوازية،وتحالفوا مع العمال وتحولوا أي الفلاحين الى طبقة لذاتها،بعد أن وعوا شروط وجودهم وبؤسهم، وإذا لم يعمل على اجتذاب الفلاحين،فإن الرجعيين هم الذين سيتولون القيام بهذه المهمة، خاصة وأن تأليب الفلاحين على العمال والديمقراطيين،كان بمثابة سلاح،اعتمدته الأتوقراطيات الأوربية وحتى الروسية في مرحلة خلت، ولكن بعد الاضطرابات الفلاحية، قال لينين بأنه يمكن للفلاحين،أن يكونوا سنداً للعمال في المدن،لا عدواً لها، وعامل اليوم،هو فلاح الأمس،ويوجد ما أسماه لينين "العامل –الفلاح" أي العامل الذي يكون على استعداد،لأن يعود إلى مسقط رأسه، ليعمل في الأرض، كلما ضاقت به سبل العيش في المدينة.
والمسألة الفلاحية في روسيا،تختلف عنها في الغرب، فالفلاح في بلدان الغرب،هو فلاح المجتمع الرأسمالي البورجوازي،أما في روسيا، فهو وقبل كل شيء فلاح يشكو من المؤسسات والعلاقات الماقبل رأسمالية،ومن مخلفات القنانة،وفي الغرب انفصلت البروليتاريا عن الريف،وكرست انفصالها في مؤسسات حقوقية،ولذلك من واجب البروليتاريا في روسيا، أن تبقى على صلة وثيقة بالطبقة الفلاحية،وكانت هذه نقطة خلافية،ومثار جدل مع المناشفة ،الذين ركزوا، على رجعية الطبقة الفلاحية في الوقت الذي، ركز فيه البلاشفة،على الشروط التي تجعل من الفلاحين طبقة ثورية،واذا كانت بروليتاريا المدن، (والكلام للينين) هي القوة الرئيسية في الثورة الروسية، فإن مصير هذه الأخيرة، يتعلق بتطور الوعي الفلاحي،والطبقة الفلاحية بما تمثله من كتلة بشرية، سيكون لها الكلمة الأخيرة، ولا يمكن للبورجوازية، أن يكون لها أي دور ثوري،أو قيادي،لأن الرأسمال الروسي، لم يتطور على نسق تطور الرأسمال الأوربي، لقد ولد من الأساس احتكارياً وامبريالياً،بعكس الرأسمال الأوربي، والصناعة الروسية لم تكن نتيجة لتطور الصناعة اليدوية والورش الحرفية، بل كانت انتقالاً للصناعة الغربية التي بلغت مرحلتها الاحتكارية ووصلت إلى قلب روسيا، التي كانت ترزح تحت وطأة القنانة والإقطاع، واذا كانت الصناعة الروسية قد تحولت،من قبل الرأسمال المصرفي الأوربي،وكانت البنية الاحتكارية للصناعة الرأسمالية، تتناقض تناقضاً صارخاً مع مجمل البنية الاقتصادية-الاجتماعية لروسيا المتخلفة،وهذا يفسر تخاذل البورجوازية عن أداء مهمتها الديمقراطية في تحرير العلاقات الزراعية،من آثار الاقطاع والقنانة. ولقد خانت قضية الديمقراطية،وتأخرت عن أداء مهمتها الديمقراطية، في تحرير الفلاحين من ربقة مخلفات القنانة، وهذا ما يجعل تحالف العمال والفلاحين ضرورياً في الثورة الديمقراطية لماذا؟
لأن البورجوازية خانت الفلاحين،وستكتفي بإصلاح مزعوم وستقف إلى جانب الملاكيين العقاريين، وليس غير البروليتاريا، من يستطيع دعم الفلاحين مع أن الشرط الموضوعي، لا يسمح بتحرير الطبقة العاملة فوراً وكلياً، وليس أجهل الناس من يستطيع أن يتجاهل الطابع البورجوازي، للانقلاب الديمقراطي. وبحسب الرفيق لينين، لا يمكن الاعتماد على البورجوازية، لأن نضالها من أجل الحرية، سيكون فاتراً وتعوزه الحماسة، فثرواتهم ومكانتهم الاجتماعية، ومصالحهم الطبقية كلها مرتبطة بالنظام الاجتماعي القائم، وسوف يسعون الى تحقيق تسوية بطريقة أو بأخرى،ولكن لن يطيحوا بالنظام القيصري، كما أنهم لن يقفوا دون قمعه وإبادته لحركة الفلاحين، وهي لا تريد للثورة البورجوازية،أن تكنس بحزم وتصميم جميع مخلفات الماضي، لا تريدها أن تكون ديمقراطية منطقية،مع نفسها الى النهاية بل تريد أن تتم على نحو أبطأ متدرج متردد، وأن تحترم هذه التحولات بعض مؤسسات الإقطاع، وهي لا تريد الثورة، لأنها تحسب حساب المستقبل، أي حساب البروليتاريا التي لن تحجم بدورها، عن تحويل الأسلحة التي وضعتها الثورة نفسها، وهي الحرية والمؤسسات الديمقراطية والتي تكون قد أزهرت فوق مقبرة الإقطاع.
وهذا يحيلنا، إلى ذكر الأسباب، التي ساهمت بفشل الثورة الألمانية، والتي تتماثل ظروفها وبنيتها مع الثورة الروسية، لجهة ضعف البروليتاريا، مقارنة بالفلاحين الذين شكلوا قوة رجعية، تحالفت مع الجيش ضد الثورة، وتضافر على هزيمتها كل من البورجوازية والحركة العمالية القديمة،وكانت ايديولوجيا العالم القديم ما تزال تحتل خانات من وعيها، وكانت تحترم ملكية البورجوازية وحياتهم، إضافة إلى أنه لم يتم القضاء على العلاقات الماقبل رأسمالية، وبقايا الاقطاع وسلطات الكنيسة وكان الصراع الطبقي، يخطو خطواته الأولى، وباختصار لم يصبح ،الاغتراب الرأسمالي شاملاً، وزد على ذلك، أن الطبقة العاملة الألمانية كانت متأخرة في تطورها الاجتماعي-السياسي،عن الطبقة العاملة الفرنسية والانكليزية بمقدار تأخر البورجوازية الالمانية،عن بورجوازية فرنسا وانكلترا، فضلاً عن تحالفها مع الحزب الرجعي، وكان تأييدها للبيروقراطية الرجعية عبارة، عن مساومة رخيصة وخيانة صريحة لمبادىء الثورة الديمقراطية.
وخيانة البورجوازية الألمانية لقضية الثورة الديمقراطية، كانت متوقعة وإلى حد بعيد، فالبورجوازية بضعفها الاقتصادي، وظهورها المتأخر على المسرح السياسي هي بالتأكيد، بورجوازية عاجزة ،عن إنجاز المهام السياسية للثورة الديمقراطية وهذا ما يفسر تحالفها السياسي، مع الحزب الرجعي.وخيانة البورجوازية لقضية الديمقراطية، لا يعني شطب الثورة، من أعمال التاريخ، وإنما يعني بأن المهام السياسية لهذه الثورة، أصبحت مهام بروليتارية، وهذا ما اشتغل عليه لينين وكان المنظور اللينيني، ينطلق من منظور تنامي الطبقة العاملة، مع استمرار الفلاحين كقوة ثورية، وكانت البروليتاريا تتنامى بالفعل، لأن روسيا دخلت مرحلة التصنيع الواسع النطاق،وكان المهاجرون الشباب، الوافدين من الأرياف إلى المصانع في موسكو، يميلون إلى الراديكاليين البلاشفة لا الى المناشفة المعتدلين.
ولم يكن لينين، متغافلاً عن الشرط الأساسي، لتحالف العمال والفلاحين، وهي الحرية السياسية، وهو القائل بأن الجمهورية كانت أمراً واقعاً في فرنسا، ولم يكن يتهددها خطر جدي، وكانت تتوفر للطبقة العاملة الإمكانية التامة، لتطور التنظيم المستقل، أما في روسيا فالبروليتاريا الروسية، أمام مهمة الانقلاب البورجوازي الديمقراطي، وبدون هذا الانقلاب،يستحيل القضاء على بقايا الماضي أي بقايا القنانة والأتوقراطية ،التي تعيق تطور الرأسمالية، والتي سوف توفر للطبقة العاملة التنظيم الطبقي، والذي بدوره سوف يمهد للانقلاب الاشتراكي.ومن مصلحة الطبقة العاملة، أن تتم التحويلات في الاتجاه الديمقراطي البورجوازي، وبالوسائل الثورية. وكان ماركس على حق، حين قال: بأنه وفي مرحلة الثورة الديمقراطية، لا يقاتل البروليتاريون أعداءهم الحقيقيون، بل أعداء أعداءهم، أي بقايا الحكم المطلق، من ملاك عقاريين وبورجوازيين غير صناعيين، وبعد ذلك يمكن أن تحارب أعداءها الحقيقيين، وتصفية أعداء أعداءها ، هو الشرط الأول والمسبق لتصفية الحساب الثاني. وتحقيق الانقلاب الديمقراطي ،يرتكز على طبقة حرة من الفلاحين، وهذا يعني فيما يعني ،إلغاء الامتيازات الإقطاعية ،لأن العدو الرئيسي الذي تواجهه الثورة والطبقة العاملة، يتمثل في الحكومة الاتوقراطية المطلقة، المستندة الى قوة كبار الملاكين العقاريين. وتكون البورجوازية ثورية، عندما تقضي على الإقطاع والاوتوقراطية، وتكون ضد الثورة، عندما تتحالف مع الرجعيين ضد العمال لتقمعهم وتعرقل نموحركتهم.
لا ضير من القول، بأن ثورة أكتوبر، كانت ثورة بورجوازية ،لأن هدفها المباشر كان ديمقراطي بورجوازي، أي تحرير العلاقات الاجتماعية في روسيا، من مخلفات القنانة والإقطاع، وكانت ثورة لصالح الفلاحين، وعمالية في العاصمة وهؤلاء العمال، استولوا على السلطة وبرهنوا على أهمية تحالف العمال والفلاحين وضرورته، لإنجاز الثورة الاشتراكية ،في بلد لم تنضج فيه الشروط الاقتصادية الموضوعية للتحويل الاشتراكي.
ويحسب للينين، أنه وقف ضد المناشفة، الذين تبنوا رأي ماركس، بأن دور العمال في الثورة البورجوازية، ليس القيام فقط ،بدور المعارضة وانما الاستيلاء على السلطة، وبمساعدة الفلاحين، ولم يعتبر لينين، التحالف مع الفلاحين سوى الشرط الأساسي، لاستيلاء البروليتاريا على السلطة ،وفي بلد الأقلية العمالية والغلبة الفلاحية.
لقد انتصرت الثورة الروسية، بقواها الذاتية، في الوقت الذي سحقت فيه الثورة الألمانية ،وكان لزعماء الأممية الثانية من الاشتراكيين الديمقراطيين، اليد الطولى في هذه الفجيعة وجاءت هذه الخيانة، تأكيداً لنظرية لينين عن القشرة الإرستقراطية للطبقة العاملة.
لينين ، الذي فهم الثورة العالمية، فهماً تاريخياً عينياً، وبدالة تناقضات العصر الامبريالي، وكانت النظرية اللينينة، مجهوداً عبقرياً، لأقلمة الماركسية بنت الغرب الصناعي الأوربي المتطور، مع الشروط الخاصة بقطر زراعي ومتخلف.
ولئن كانت اللينينية ، قد خصت الطبقة الفلاحية، بنصيب أوفر من الاهتمام على عكس ماركس ،الذي جعل الطبقة الثورية حكراً على البروليتاريا، لأنها الوحيدة التي تعاني من شمولية الاضطهاد ،ولأنها الطبقة التي تخلق فضل القيمة، ولكن مع تحول البورجوازية الليبرالية ،إلى احتكارية امبريالية، لم تعد البروليتاريا المصدر الوحيد لفضل القيمة، وبرزت المستعمرات كمصدر إضافي، وأساسي لفضل القيمة وهذا ما منع حصول ثورة ،في بريطانيا وكما توقع ماركس، لأن جزء من فضل القيمة والتراكم الرأسمالي الضروري لتطور الصناعة، بات يأتي من الخارج وهذا انعكس ،بدوره على الوضع المادي والمعنوي للطبقة العاملة الانكليزية ،فمن جهة أولى ،لا تعود المصدر الوحيد ،ولا حتى الرئيسي لفضل القيمة، وتواجه من الجهة الثانية، وعلى صعيد الوعي الطبقي والحماسة الثورية، خطر تمييع حقيقي، كفيل بإرجاء الثورة الاجتماعية، إلى أجل غير مسمى، وبدوره قال انجلز: إن الطبقة العاملة الانجليزية، لن تسعيد ثوريتها إلا عندما يسقط الإحتكار الصناعي الانكليزي للسوق العالمية.
غير أن الوقائع أثبتت،بأن تفاؤل انجلس وماركس، بالمستقبل الثوري للطبقة العاملة الانكليزية، ليس بمكانه فالاستنتاجات التي استخلصاها،من تأثير الاحتكارات الرأسمالية،والأرباح الإمبريالية على ثورة البروليتاريا،ومشاركة الطبقة العاملة المتروبولية،في فتات أرباح المستعمرات ليست بالظاهرة العرضية.
ويبدو بأن ماركس وانجلز، لم يقدرا بأن الأمم الفلاحية، ستثبت بأنها أكثر ثورية في الانتقال نحو الاشتراكية، لأن العالم بات ينقسم إلى متروبولات ومستعمرات والطبقة الثورية، باتت تتجسد في فلاحي المستعمرات، وشعوب العالم الثالث، لأن العالم الكولونيالي، بات يشكل مركز العذابات الشاملة في عصر الإمبريالية،وفي هذا العصر، لا يعود في وسع أي ماركسي، أن يؤكد بأن البروليتاريا المتروبولية،هي عامل الثورة الوحيد، وكما أن استنتاجات الماركسية حول ثورية البروليتاريا تحتاج إلى مراجعة عامة ، وعلى ضوء تطورات الامبريالية العالمية، ولربما يكونا بوخارين وفرانز فانون، على حق عندما ربطا المسألة الفلاحية بالمسألة الكولونيالية والتي ليست في جوهرها، إلا تحالف عمال المراكز الرأسمالية مع فلاحي المستعمرات.
وساهم بدوره الريع الإمبريالي،أي علاقة الإرتباطالسيطرة بين رأسمالية عصر الإمبريالية،وأنظمة الإنتاج الفلاحي في التخوم، بزيادة الإفقار،الوثيق الصلة بمنطق التراكم الرأسمالي، الذي سرع التراكم الذاتي في المراكز،وأعاقه في التخوم.
ويمكن أن تكون الطبقات الشعبية في التخوم،(البروليتاريا والفلاحون)والتي تتعرض للاستغلال المزدوج، بسبب عدم اكتمال الهياكل الرأسمالية، حليفاً للطبقات المستغلة في الأنظمة الرأسمالية في المراكز،لأن فائض القيمة،سوف يتم تقاسمه بين رأس المال المالي الإحتكاري والبورجوازيات التابعة،وسوف ينتج عن خضوع كل مجتمعات الدنيا،لمنطق الربح،عدد كبير من العاطلين عن العمل، والمفقرين والمهمشين المبعدين،في التخوم. وفي المراكز ظنت الطبقات الحاكمة،أنها تستطيع أن تتجاهل،ولفترة طويلة،قوة التمرد لدى ضحايا سياساتها المباشرين،وأن خطر نقد النظام،لن يمتد إلى الطبقات الشعبية، وإلى فئات واسعة من الطبقات الوسطى،ويبقى أن ضحايا هذا المشروع، في الأطراف، يحتسبون بصورة مختلفة وأنهم يعدون بمئات الملايين من فقراء الضواحي،ومئات ملايين الفلاحين المحكومين بالانضمام،إلى العمال بسبب السياسات الليبرالية إزاء الزراعة،إذ لم يعد لدى الرأسمالية،التي بلغت شيخوختها، ما تقدمه للأكثرية من سكان القارات الثلاث الذين يمثلون بدورهم، أكثرية ساحقة من سكان الأرض، ورأسمالية اليوم تحكم على مليارات الكائنات البشرية، بأن تكون لا شيء، ولا شك في أن طاقة التمرد التي يحملها هؤلاء الضحايا،هي طاقة هائلة وصدقت نبوءة سمير أمين، حين اعتبر بأن الرأسمالية، تحضر كوكبة من أحزمة الفقر، وأن إفقار الطبقات الشعبية،مرتبط بالتطورات التي تحدث لمجتمعات الفلاحين، في العالم الثالث، وقد يعزز خضوع هذه المجتمعات ، لمتطلبات توسع الأسواق الرأسمالية، أشكالاً من الاستقطاب الاجتماعي،وسوف يفضي، إلى استبعاد عدد كبير من الفلاحين ، وهؤلاء الفلاحون الفقراء المحرومين من الأرض،سوف يهاجرون نحو المدن والعشوائيات وهذا ليس بمستبعد ،عن قانون التراكم ، وتاريخه الذي بدأ بعملية نهب الفلاحين الفقراء، وخلق فائض من السكان، لا يستطيع التصنيع المحلي استيعابهم بالكامل.
يتعرض الإنتاج الزراعي في الوقت الحاضر، لهجوم معولم من رأس المال الاحتكاري في إطار الاستراتيجية المسماة بانفتاح أسواق الجنوب والتطور الأكثر مأساوية يتمثل بإدخال الفلاحين في المجالات التي تسير وفقاً لمبادىء النيوليبرالية الأمر الذي أدى إلى نمو خطير في القطاع الغير رسمي وانتشار العشوائيات خاصة وأن الجماهير التي تسكن أكواخ القصدير،هي جماهير فلاحية جردت من أملاكها ونزحت إلى المدن حيث امتهنت أعمالاً هامشية، وحسب الإحصاءات، يشكل الاقتصاد الغير رسمي في أمريكا اللاتينية وعلى سبيل المثال ، أكثر من نصف قوة العمل ويشكل هؤلاء بروليتاريا غير رسمية،وإذا صار وثاروا ضد أوضاعهم المريعة، فلا شك أن المنظومة الرأسمالية العالمية ،ستهتز من جذورها لأن رسملة الزراعة ، خلقت فائضاً من الفلاحين الذين طردوا من الأرياف،ودون أن توفر لهم فرص عمل وهذا يعني بقاء نصف البشر من دون عمل، وهي نسبة أهل الريف إلى مجموع السكان.
لقد خلقت الرأسمالية ،مشكلة زراعية جديدة وضخمة في التخوم، تعجز عن حلها اللهم إلا إذا أفنت ، نصف البشرية عن طريق الإبادة الجماعية.
غني عن البيان القول، بأن الاستعمار شوه حركة تطور بلداننا، وسد أفق تطور القوى المنتجة،عندما أجهض إمكانية تطورها في أفق رأسمالي مستقل ، ومنع أي صناعة منتجة في هذه البلدان، ومخطىء من تحدث عن إنهاء الاستعمار من بلادنا لأنه كان موجوداً وإن بشكل غير مباشر،من خلال ما سماه "مهدي عامل" العلاقة الكولونيالية ولن يتحطم هذا الإطار الكولونيالي،والذي سيحرر بدوره القوى المنتجة، إلا من خلال صراع طبقي طويل الأمد، كما تجسد في الانتفاضات الشعبية ، حين ثارت الشعوب ولا سيما في الأرياف ،ضد طغم مالية ريعية ، صادرت الأراضي الزراعية من الفلاحين ، كي تستثمر رساميلها في القطاع العقاري ، وساهمت سياسات اللبرلة والخصخصة ورفع الدعم، بإفقار الشرائح الدنيا وصغار المنتجين والحرفيين الذين تضرروا من انفتاح الأسواق، وتم لجم أي استثمار في القطاع الإنتاجي ووجد الفلاح نفسه محاصراً ، وشعر بصعوبة في الحصول على وسائل الإنتاج وتراجعت الظروف المعاشية للأغلبية ، والتي هاجرت الى المدن والتحقت بالاقتصاد الهامشي والعمل الرخيص ،ونتج عن هذا التوسع ،كوكبة من العشوائيات وأحزمة الفقر ولولا الطابع الريعي للسلطات، كان يمكن استيعاب هذه الفئات المهمشة ،في مجالات حرفية كثيفة العمالة ، وبرهنت هذه التحولات ،على صحة نبوءة المؤرخ إريك هوبسباوم الذي اعتبر بأن الثورات ،سوف تختمر وتنضج وتندلع في الأرياف ، لأن الثورة الزراعية، جعلت ملايين الفلاحين فائضين عن الحاجة.
وفي الأونة الأخيرة، تعرضت فئات واسعة من أبناء الطبقة الوسطى، لعملية البلترة ودخل المدرسون وموظفو القطاع العام والعاملون في البنوك إلى صفوف الطبقة العاملة ،وصاروا يشكلون ، إحدى أهم الفئات الأكثر كفاحية، ويتوقع الاقتصاديون انهياراً جديداً، قد يصيب العملات والحكومات، الأمر الذي سوف يهدد النظام المالي العالمي، وسوف يؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة، وزيادة إفقار الغالبية وإلى احتدام الصراع الطبقي.
المراجع:
تاريخ الثورة الفرنسية البير سوبول
تاريخ الثورة الألمانية العفيف الأخضر
الاستراتيجية الطبقية للثورةجورج طرابيشي
عصر الثورةاريك هوبسباوم
لينينالاعمال الكاملة المجلد الثاني
اشتراكية القرنسمير أمين
لينين والثورة الروسية

8/10/2018

نيكوس بولانتازاس ونظرية الدولة الرأسمالية

كتب: مارك مجدي
نيكوس بولانتازاس هو منظر ماركسي يوناني-فرنسي بارز، ظهرت أعماله في فترة الستينيات والسبعينيات لتؤثر بشكل كبير على الحالة الثقافية في أوروبا، كما أنها اعتبرت التعبير الأبرز عن التيار الماركسي الاكاديمي، فقد كانت أعمال بولانتازاس النظرية احد نتائج وجود تيار ماركسي في داخل الجامعة يدرس ويحلل ويسهم في تراث ممتد وطويل. ورغم كون بولانتازاس أكاديميا بالدرجة الاولي، الا انه كان متفاعلا وممارسا عمليا بدرجة لا تميز بينه وبين أي قائد حزبي، فقد انضم وساهم في تأسيس أكثر من حزب. وكان اهتمامه بالسياسة اليومية منعكسا على أعماله النظرية. واستمر تأثير ثولانتازاس على اليسار الغربي حتى يومنا هذا، ليعلن قادة سيريزا، الحزب اليساري الحاكم في اليونان بعد الازمة، انهم تأثروا ببولانتازاس بشكل رئيسي دونا عن اي مفكر غيرة.
ولد نيكوس بولانتازاس في أثينا عاصمة اليونان في 21 سبتمبر/أيلول عام 1936 لعائلة ميسورة الحال. وقد ظهر نبوغه كطالب في كلية الحقوق مبكرا جدا، بينما تنامي جنبا إلى جنب مع هذا النبوغ الدراسي اهتماما عميقا بالسياسة، على ضوء الرؤي اليسارية. انضم في هذه الفترة للحزب الشيوعي اليوناني، ثم انتقل بعد انتهاء الدراسة إلى فرنسا ليحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة القانون، ثم قام بتدريس علم الاجتماع في جامعة باريس واستمر في هذا العمل حتى وفاته.
نضج مشروعه الفكري والسياسي في فرنسا. فقد تأثر بولانتازاس (حسب “بوب جسيوب” أحد دارسيه ومؤلفا الكتاب الأهم حوله) بثلاث مصادر وتيارات أكاديمية وفكرية. الأول هو تيار الفلسفة الفرنسية، وبالتحديد بالفلاسفة سارتر والتوسير وفوكو. أما الثاني فهو الفكر السياسي الايطالي وفي مقدمته أنطونيو غرامشي. واخيرا، الفقه والتراث القانوني الروماني-الجرماني.
التحمت أعمال بولانتازاس مع هذه المشارب الفكرية الثلاث لتنتج أطروحات فكرية خاصة وملفتة حول مواضيع جوهرية بالنسبة للحركة اليسارية العالمية. نظرية الدولة، الطبقات الاجتماعية، الفاشية، والاستراتيجية السياسية.
انتقل بولانتازاس أثناء فترة دراسته من الوجودية متأثرا بسارتر الي الماركسية اللينينية، وصاحب هذا الانتقال أهتمام شديد بأعمال ألتوسير. ولكن في مرحلة عمرية متأخرة، قطع بولانتازاس علاقته مع الحزب الشيوعي لينضم إلى مجموعة يسارية شيوعية معروفة بالحزب الشيوعي في الداخل اليوناني، التي اعتبرت مجموعة معارضة للحكم في اليونان آنذاك.
وكانت هذه المجموعة الحزبية تعتبر من المجموعات الرائدة في ما سمي بـ الشيوعية الاوربية، التي قطعت مع بعض الافكار الارثوذكسية تطلعا إلى رؤية جديدة لانتقال ديمقراطي نحو الاشتراكية. وبرغم ضعف الحزب الصغير في الانتخابات البرلمانية، ظل بولانتازاس عضوا فيه حتى حادثة وفاته المأساوية، فقد انتحر بولانتازاس عن عمر الـ 43 عام 1979.
ومنذ وفاته، ظل بولانتازاس مرجعا للنظرية السياسية والاستراتيجية والدولة، ورمزا فكريا بالنسبة لتيارات يسارية مهمة في أوروبا.
حول نظرية الدولة
العمل الرئيسي الأول لبولانتازاس والمعنون باسم “السلطة السياسية والصراع الاجتماعي”، هو العمل الذي يطور فيه بولانتازاس نظرية قطرية للدولة الرأسمالية، وذلك في إطار مقاربة بنيوية، متبعا خطى لويس ألتوسير.
وعندما نتحدث هنا عن الدولة عند بولانتازاس أو غيره من المفكرين، فنحن لا نقصد بالتأكيد المعني القانوني السائد عن الدولة، أي أن الدولة هي أرض وشعب وحكومة، بل نقصد هنا الدولة باعتبارها السلطة السياسية والاجهزة المسؤولة عن إدارة المجتمع.
وقبل الشروع في أي دراسة وتحليل، يؤكد بولانتازاس أن ما يطرحه حول نظرية للدولة الرأسمالية هو طرح لنظرية قطرية في إطار القطر الأوروبي الغربي، حيث يصر بولانتازاس أنه لا يمكن أن تقوم نظرية عامة، اي عالمية، للدولة الرأسمالية. ويذهب بولانتازاس أن على الماركسيين حول العالم أن يطوروا نظرياتهم عن الدولة استنادا على نمط إنتاج محدد وعياني، فلا يمكن أن تكون الدولة في الصين متطابقه مع الدولة في فرنسا وتعمل في إطار نفس القوانين. وبذلك يعتمد بولانتازاس اولا على تحليل النمط الاجتماعي السائد وقوانينه الداخلية ثم ينطلق من خلال هذا التحليل إلى نظرية للدولة الراسمالية في الدول الاوروبية، ومنها إلى المجتمعات المتقدمة عموما، أو ما نطلق عليه “العالم الأول”. فإذا كانت الدولة هي مجموعة اجهزة طبقية، فلابد أن تشكل في إطار وضع طبقي معين، ومن خلال دراسة النمط الاجتماعي المنشأ لهذا الوضع يمكن فقط أن نفهم الدولة الرأسمالية. فلا يمكن أن يكون التنظير علميا حسب بولانتازاس، إلا عندما يحدد ويشخص في نمط إنتاج معين، ويدرك المكونات الرئيسية والمفصلية المشكلة له، وقوانين حركته وعامل الحسم داخلة.
ويتبع بولانتازاس نهج ألتوسير، عندما يقسم نمط الانتاج الرأسمالي الى ثلاث مستويات رئيسية تحدد العلاقة بينها البعض طبيعة حركته، وهم: المستوى السياسي، المستوي الاقتصادي، المستوى الأيديولوجي. وفقا للبنية الخاصة لكل مستوى، حيث أن كل مستوى يتمتع بقدر من الاستقلال الذاتي، ولكن بشكل نسبي. فيخضع كل مستوى للتراتبية بين المستويات الثلاثة، فهناك دائما عنصر حسم في التحليل الأخير، وهو المستوي الاقتصادي.
وعندما نستخدم مفهوم نمط الإنتاج كأداة تحليل، ليس من الممكن أن نحدد ما هو اقتصادي فقط (علاقات الإنتاج بشكل محدد) لكي نتمكن من تفسير ميكانزماته الداخلية، بل علينا أيضا تحديد البني والممارسات المتعددة التي تظهر لنا في حالات ودرجات مختلفة في إطار هذا النمط. او بمعني اخر ان نحدد نوع وطبيعة الوحدة الرئيسية التي تميز وتكون التشكيلة الاجتماعية وتحدد المستوى المسيطر فيه، وهذه الوحدة الرئيسية حسب بولانتازاس وفي “التحليل الأخير”، هي المستوي الاقتصادي.
هذه المنهجية تمنح بولانتازاس القدرة على أن يقوم بدراسة منفصلة للدولة الرأسمالية.
أن دور الدولة في النمط الرأسمالي ينفصل عن قاعدته، وهو ما يختلف عن النمط الإقطاعي الذي تتدخل فيه الدولة مباشرة لاستخراج فائض القيمة من العمل الزراعي، بينما لا تضطر الدولة الراسمالية لفعل ذلك. ففي النمط الرأسمالي، وما ان تؤسس العمليات الطبيعية لقانون القيمة ويبدأ فاعليته، يبدأ النمط الرأسمالي في العمل بدون حاجة لدور الدولة الإكراهي لاستخراج الفائض من الأيدي العاملة بشكل مباشر، فعملية الإنتاج في النمط الرأسمالي، تحدث في المصنع بشكل مستقل نسبيا عن الدولة.
فبينما كانت الدولة في النمط الإقطاعي هي المسئول الأول عن جمع الخراج من المزارعين الاقنان من خلال اجهزة القمع الجسدي الامنية، لا تتدخل الدولة بشكل مباشر في عملية الإنتاج الرأسمالي. فعندما يفصل الموظف من عمله، فذلك يحدث دون دور للدولة في هذه المسألة، رغم أنها تضع الإطار القانوني الذي ينظم هذه العملية.
إن الصفات التي تميز المستوى الاقتصادي في نمط الإنتاج الرأسمالي أثناء عملية إنتاج فائض القيمة، هي نتاج لهذا الفصل، أي فصل الدولة عن عملية الإنتاج. وهو الذي يحول العامل الي احد مكونات رأس المال، ويحول قوة عمله الى سلعة.
إذ يخبرنا ماركس ان عملية الانتاج في الرأسمالية هي عملية متحدة العناصر، وهذا الاتحاد بين عناصر نمط الانتاج، هو الذي يحدد الاستقلال الذي يحتذى به كل من المستوى السياسي والاقتصادي. وتتجسد هذه العملية عند ماركس في نقطتين. أ- في تأثيرها على الاقتصادي، على سبيل المثال: عملية الإنتاج المستقلة في النمط الرأسمالي التي لا تحتاج إلى تدخل فوق اقتصادي لضبط العملية، وهو ما ليس موجودا في أنماط أخرى. ب- تأثير هذا الاستقلال على الدولة الرأسمالية.
إذا كان ما هو اقتصادي يحظى باستقلالية عن السياسي، ما هو دور الدولة الرأسمالية في النمط الرأسمالي تحديدا؟
وفقا لبولانتازاس، لا تمثل الدولة الراسمالية بشكل لحظي ومباشر مصالح الطبقة السائدة، ولكن تعبر عن المصالح السياسية لهذه الطبقة على المدى الاستراتيجي البعيد.”لا تمثل الدولة المصالح الاقتصادية للطبقة السائدة مباشرة، ولكن المصالح السياسية: أنها مركز السلطة السياسية للطبقة المسيطرة، أي الوكيل المنظم لصراعها السياسي”.
ففي حالة إفلاس أحد الرأسماليين، لن تتدخل الدولة الراسمالية لتنقذه من هذا الإفلاس (رغم أنها تفعل في بعض الأحيان)، ولكن إذا كان هناك تهديد يؤدي لخسارة قطاع كبير من الطبقة المسيطرة لثروته، ستتدخل الدولة لانقاذهم ماليا وبكل السبل المتاحة، ذلك لان هذه الخسارة لن تؤدي فقط إلى خسارة اقتصادية، بل ستؤثر في المدي البعيد علي بقاء النظام السياسي، الذي هو معبر عن المصالح السياسية لقطاعات وشرائح هذه الطبقة. والمثال الأبرز أمامنا ما حدث في الولايات المتحدة عام 1930، عندما أعطيت تنازلات للطبقة العاملة على حساب المصالح الراسمالية قصيرة الأمد، وهو الذي أدى إلى استقرار طويل للرأسمالية الأمريكية. او ما حدث في 2008 عندما تدخلت الدولة لشراء بعض الشركات إنقاذا لها.
وما يطرحه بولانتازاس يثير التساؤل حول السبب الذي يدفع الدولة الرأسمالية إلى الحفاظ فقط على المصالح السياسية بعيدة الأمد للطبقة المسيطرة؟ يذهب بولانتازاس الي القول بان الدولة الرأسمالية تحقق ذلك من خلال البني القانونية والايدولوجية التي تخفي حقيقة العلاقة بين الطبقات و بعضها، أي علاقات التناقض الطبقي. فالنظام الرأسمالي يمارس عملية دمج جماعي علي مستوي واسع للطبقة العاملة في إطار عملية الإنتاج، ولكنه في نفس الوقت يفرض قوانين المنافسة التي تجعلهم يتصارعون فيما بينهم في إطار الطبقة الواحدة. والمثال الأكبر على ذلك، هو ما يخسره العمال من فوائد وامتيازات في مواجهة أصحاب العمل خوفا من خسارة العمل، بتهديد واضح من عمال جيش العمل الاحتياطي.
يطلق بولانتازاس على هذه العملية، أي عملية التجميع للطبقة العاملة ثم إشعال المنافسة داخلها، مسمى “تأثير العزل” والذي تفتت بواسطته الطبقة العاملة وتحبط وحدتها. ولا يؤثر “تأثير العزل” فقط على الطبقة العاملة، ولكن على مجمل الطبقات في النظام الرأسمالي بما فيها الطبقة الرأسمالية نفسها. فشروط المنافسة وقوانينها تنطبق على الرأسماليين المتنافسين على الربحية، هذا التنافس الذي يقسمهم إلى فئات وشرائح متضاربة المصالح (رأسمالية مالية، رأسمالية صناعية، الخ). وفي النهاية لا يمكن أن تصاغ الوحدة الطبقية في المستوى الاقتصادي، وبدون وجود هذه الوحدة لن تتمكن الطبقة السائدة من ضبط المنظومة الرأسمالية والحفاظ على سيادتها، وحينها سيترك المجتمع للآثار التدميرية الطبيعية للرأسمالية بجانب الأزمات الاقتصادية الدورية، التي إذا تركت بدون تدخل ستؤدي لخروج الوضع عن السيطرة.
اذا يتطلب الامر شكل من الوحدة بين اجنحة وأقسام الطبقة السائدة، رغم وجود التنافس الواقع في داخلها وفقا للطبيعة التنافسية للرأسمالية، وهنا يأتي دور الدولة الأساسي حسب بولانتازاس.
يبدو الوضع ظاهريا أن الدولة تعزز “تأثير العزل” عن طريق إعداد إطار مؤسسي يخفي العلاقات الطبقية وراء غشاء المساواة بين الأفراد المواطنين، وهو الذي يؤثر على الطبقات السائدة و المسودة على حد سواء، لماذا؟ لان الوحدة الطبقية لا يمكن صياغتها إلا في المستوي السياسي. “للدولة وظيفة خاصة وهي ضمان التماسك بين مستويات التشكيلة الاجتماعية”. “انه في مستوي الدولة يمكننا أن نفك مفاصل تشكيل البني”. “رغم الاستقلالية النسبية للمستوى الاقتصادي والمستوى السياسي في نمط الإنتاج الرأسمالي، فإن سلطة الدولة هي سلطة طبقية”.”العلاقات الطبقية هي علاقات سلطة”.
وبما أن التماسك الطبقي تتم عرقلته في المستوي الاقتصادي نتاج “تأثير العزل” وسيطرة قانون القيمة على نمط الإنتاج الرأسمالي، تقع على عاتق الدولة مهمة ضبط المنظومة. فالدولة لا ترتب الإطار القانوني والسياسي الذي تستخدمه الرأسمالية لتعمل في إطار تشكيلة اجتماعية معينة فقط، بل تمتلك الدولة أدوارها الذاتية، الاقتصادية والقانونية والقمعية.
وتتوافق ادوار ووظائف الدولة الاقتصادية او الايدولوجية مع المصالح السياسية للطبقة السائدة، ليس فقط في تلك الحالات التي قد نجد فيها علاقة مباشرة وبديهية بين تنظيم العمل و التعليم من جهة، والحفاظ على السيطرة السياسية للطبقة السائدة من جهة أخرى، بل وايضا في تلك الحالات التي يجب أن تحافظ فيها الدولة على التشكيلة الاجتماعية التي تسيطر فيها الطبقة السائدة.
حين تمثل الدولة المصالح السياسية للطبقة المهيمنة، فهي لا تعتمد فقط علي القوة، بل يتعين عليها ان تضفي طابعا شرعيا على ممارستها. فكما ذكرنا سابقا، تتعمد الدولة اخفاء طبيعتها الطبقية بتقديم نفسها ككيان فوق طبقي له طابع شعبي ووطني، حيث يصنف الجميع كمواطنين متساوين أمام القانون والدستور.
غرامشي والهيمنة الثقافية:
وهذا يقودنا مباشرة للسؤال حول كيفية تحقيق الطبقة السائدة لهيمنتها، وعندما يدور الحديث حول الهيمنة كمصطلح، فمن الطبيعي أن يتجه حديثنا صوب أعمال انطونيو غرامشي.
كان التساؤل الأول بالنسبة لغرامشي هو كيفية حفاظ الرأسمالية على السلطة، وكان غرامشي اول من القى الضوء على الفكرة التي ناقشها بولانتازاس لاحقا، ومفادها أن البرجوازية لا تعتمد علي القوة فقط في الحفاظ على سلطتها .”على الرأسمالية أن تستخدم العصا، وعليها أن تستخدم الجزرة ايضا”.
ورغم أن غرامشي لا يتجاهل الدور الأساسي للدولة وهو الدور القمعي، أي دور القوات المسلحة، فهو يعتبر المفكر الماركسي الأول الذي اهتم بدور الإجماع الذي تحرص عليه الدولة للحفاظ علي سيادة البرجوازية. فللدولة مهمة بالغة الأهمية، هي إنتاج أساس الإجماع الجماهيري حول السلطة الحاكمة.
والدولة الفاشية في أوروبا هي نموذج عملي، فرغم وجود جانب تضليلي ايديولوجي مؤثر وقوي في أسلوب الفاشية للحكم، إلا أنها اضطرت إلى تقديم تنازلات للجماهير من خلال تدابير خاصة، رغم أن هذه التدابير لم تحول دون الاستغلال من خلال فائض القيمة النسبي. فقد قدمت سلطات الفاشية تدابير إيجابية مثل تخفيض البطالة وتحسين القوة الشرائية وبعض أشكال الضمان الاجتماعي، ومثل هذه التدابير هي التي أسست لقوة الفاشية جماهيريا بحق.
وهو ما جعل غرامشي يمضي وقتا طويلا في دراسة دور الايدولوجيا و الثقافة في المجتمع الرأسمالي، والكيفية التي تتموضع بها في داخل مكونات المجتمع المدني. “الإيديولوجيا البرجوازية يجب ان تحتضن من قبل الجماهير، بحيث يكون خضوعهم ووضعهم الأدنى قضية لا تطرح، بل يتحول الي فطرة سليمة”. وعلى الرغم من ذلك، لا يعتقد غرامشي ان الايدولوجيا السائدة تحكم بلا منازع، بل من الممكن تحدي سلطتها بالنضال الايدولوجي المضاد.
جنبا إلى جنب مع المستوى السياسي(الدولة)، تستخدم الطبقة المهيمنة اجهزة المجتمع المدني للحفاظ على سلطتها. والمجتمع المدني حسب غرامشي، هو مجموع الاجهزة والمنظمات الاجتماعية التي يطلق عليها “غير حكومية ” مثل الأحزاب، النقابات، الإعلام، منظمات التطوع. من خلال سيطرتها الثقافية والمادية على هذه المنظمات، تتمكن الطبقة السائدة من تكوين “الإجماع” الذي تدعيه وفرض هيمنتها الثقافية.
ويعطي بولانتازاس اهتماما كبيرا لعملية تشكيل الإجماع، والأساليب التي تمكن الطبقة السائدة من التعبير عن “المصلحة العامة” المزعومة.
وبما أن الدولة الرأسمالية الحديثة تطفي علي نفسها، وعلي الطبقة التي تسيطر عليها، طابعا شرعيا و قانونيا من خلال الإعلان الحقوقي بأن الجميع في تساوي امام القانون، فهي بذلك في حاجة ملحة إلى تكوين الإجماع الشعبي حول أساليبها وإجراءاتها من خلال أجهزة المجتمع المدني، وبالأخص المسئولة منها عن الايدولوجيا مثل الكنيسة والتعليم والإعلام والأحزاب.
وينكشف دائما زيف الادعاء بتمثيل الطبقة السائدة للمصلحة العامة في اللحظة التي تخرج الطبقات المسودة لتطالب بحقوقها، فتجد نفسها في مواجهة مباشرة مع اجهزة الدولة القمعية.
مفهوم الكتلة الحاكمة:
وأثناء دراسة بولانتازاس لأساليب حفاظ الطبقة السائدة على هيمنتها، توصل إلى مفهوم أساسي في مشروعه النظري وهو مفهوم “الكتلة الحاكمة”. يستخدم بولانتازاس مفهوم الهيمنة بمعني اخر بالاضافة الى استخدامه الأول، وهو استخدام لم يعرفه غرامشي. يذهب بولانتازاس أن خصائص الصراع الطبقي المكونة للدولة الرأسمالية في التشكيلة الاجتماعية الرأسمالية تعطي الامكانية لتكون “كتلة حاكمة”، مكونة من مجموعة طبقات وأجنحة طبقية. ومن بين هذه الطبقات والاجنحة يوجد طرف رئيسي سائد ومسيطر.
الحاجة إلى كتلة حاكمة تنشأ عند بولانتازاس نتيجة تأثير العزل، فبما أن البرجوازية تنقسم الى اقسام و اجنحة نتيجة قوانين المنافسة الراسمالية كما أوضحنا سابقا، فهي نتاج هذا الانقسام قد تكون غير قادرة على تحقيق الوحدة الطبقية. وأبرز مثال على ذلك، حسب بوب جيسوب ,تمثل في الراسمالية الامريكية ما قبل الحرب الاهلية، حيث دار الصراع بين البرجوازية الصناعية الامريكية و ملاك الأراضي و كبار التجار حول مسألة العبيد، وتمكنت الراسمالية الصناعية من ان تقدم مسالة تحرير العبيد علي انها مسالة مصلحة قومية، وتكونت كتلة حاكمة هدفها الأول والرئيس هو السيطرة الكاملة على عملية الإنتاج في البلاد لتسود مصالحها.
ويختلف شكل وتكوين الكتلة الحاكمة من دولة الي دولة اخري، ولا تتشكل الكتلة الحاكمة من اقسام البرجوازية فقط، بل ومن البرجوازية الصغيرة والارستقراطية العمالية كذلك. وهو ما يميز الكتلة عن الطبقة البرجوازية، فهي تحالف واسع بين الطبقة الرأسمالية باجنحتها واقسام عليا من الطبقات الأخرى الوسطى والشعبية.
وبما أن دور الدولة كما ذكرنا سابقا هو الحفاظ على مصالح الطبقة الحاكمة ووحدتها، فان هذا الدور ياخذ شكلا أوسع قليلا، وتصبح مهمة الدولة هي الحفاظ على التماسك بين أقسام الكتلة الحاكمة بصفتها الضامن لحكم الطبقة علي رأس هذه الكتلة. ويتضمن هذا الدور كافة الوسائل الممكنة للحفاظ على هذا التماسك، بما فيها استبدال الأقسام المكونة لهذه الكتلة بأقسام طبقية اخري، اي دخول الدولة في مواجهة صريحة مع احد اقسام الكتلة الحاكمة للحفاظ على مصالح بقية الأقسام لو تتطلب الأمر، وهو ما يعطي للدولة استقلالية ظاهرية في مواجهة الطبقات العليا.
ونتيجة تنوع وتناقض المصالح في داخل الكتلة الحاكمة، يلزم أن يسيطر أحد الاجنحة الطبقية في داخل الكتلة علي اجهزة الدولة ويديرها، ليأخذ على عاتقه المسئولية السياسية و الاستراتيجية . فلا يمكن للكتلة الحاكمة أن تعمل بالقدر المطلوب في مواجهة العدو الطبقي الخارجي المحتمل، الا تحت سيطرة أحد الأقسام المكونة لها. وفي نفس الوقت، فإن الموقع القيادي لهذا القسم القائد في داخل الكتلة الحاكمة يعتبر مكون رئيسي في إطار علاقات القوى الداخلية. فلا يعني ان هناك قسما مسيطرا علي الدولة ان سيطرته احادية و مطلقة، فهذه السيطرة نسبية بدورها و تستند علي علاقات القوة في داخل الكتلة الحاكمة، فقد نجد اجهزة الدولة في تضارب واحيانا في مواجهة بين بعضها البعض في حالة وجود اضطراب بين أقسام الكتلة الحاكمة.
وهو ما يقودنا لاستنتاج مهم وخطير، وهي أن الوحدة الطبقية وميزان القوى داخل الكتلة الحاكمة هو الذي يحدد أداء أجهزة الدولة وتحركاتها، فإذا نجد انفسنا امام صراع اجهزة في بعض الاحيان (وقد يصل الامر الى صراع أجهزة مختلفة تقوم بنفس الدور) فإن هذا الصراع ليس سوى تعبير عن الصراع فيما بين الكتلة الحاكمة. وهذا الطرح الذي يقترب اكثر فأكثر الى الواقع ليمثل حلا لمشكلة رئيسية عانت منها أطروحات الماركسية حول الدولة، فقد كانت عاجزة دائما عن تفسير التناقضات الداخلية للدولة وأجهزتها وكيفية انعكاس الصراع الطبقي بين فئات وأقسام الطبقة السائدة على أجهزة الدولة، فكون هذه الدولة في خدمة الطبقة السائدة لا يعني أنها كتلة صماء تتحرك بشكل ميكانيكي. ولأن في داخل كل مكون تناقضاته المنشأة له، فإن الدولة تصبح ساحة صراع طبقي فيما بين مكونات الكتلة الحاكمة وبعضها، بل وبين الكتلة الحاكمة وأعدائها الطبقيين من جانب آخر. وهو ما يشير إليه غرامشي ويوطده بولانتازاس تعبيرا عن مفهوم حرب المواقع.
وفي إطار نظريته القطرية للدولة الرأسمالية، يذهب بولانتازاس إلى أن دولة قد تحولت إلى علاقة اجتماعية “لا يجب النظر إلى الدولة الراسمالية بصفتها كيان متأصل في ذاته، بل هي علاقة قوي، وبتعبير أدق: التعبير المادي لعلاقات القوى بين الطبقات والأقسام الطبقية”. “ان الصراعات المتعددة بين الطبقات تتجسد في اجهزة الدولة، والتي ليس لها سمات ثابتة، بل إن أجهزة الدولة نفسها هي نتيجة لهذه الصراعات”.
يوضح بولانتازاس اذن ان القوى الطبقية المختلفة وطبيعة الصراعات بينها تؤسس الدولة وأجهزتها، فالدولة هي نتاج صراعات سابقة، ويحدد شكلها المستقبلي طبيعة الصراعات الطبقية الحاضرة والتوازن الواقع بينها. ان الدولة تؤسس الوحدة السياسية للطبقة السائدة كما ذكرنا سابقا، وبهذا تؤسس لسيادتها. ودور الدولة المنظم والمرتب لهذه السيادة لا يتضمن جهاز واحد من اجهزة الدولة، بل هو مهمة كل الأجهزة على حد سواء.
بالاضافة الى ان اجهزة الدولة تحافظ على هيمنة الطبقة السائدة وتعيد توزيعها من خلال إدخال الكتلة الحاكمة في لعبة مساومات تمهيدية. فالدولة تنظم وتعمل على وحدة الكتلة الحاكمة من خلال تفتيت وتقسيم الطبقات المسودة، والعمل على استقطابها إلى الكتلة الحاكمة وإعاقة منظماتها السياسية.
الاستقلالية النسبية للدولة:
الدولة الراسمالية تتمكن من: صياغة كتلة حاكمة، تحقيق الهيمنة على الطبقة المسودة والتفرقة بينها، تأمين المصالح ذات المدى البعيد للطبقات المسيطرة، فقط من خلال الاستقلالية النسبية التي تحظى بها عن المستوى الاقتصادى.
ويشخص دوج جرين مفهوم “الاستقلالية النسبية” بشقيه المكونين له، كمثل الطوق والكلب: فحبل الطوق ممكن أن يكون طويلا أو قصيرا، مما يحدد مسافة المناورة المتاحة للكلب، ولكن يبقى الطوق مربوط بالأرض مما يجعله ثابتا. هكذا الامر بالنسبة للدولة. الدولة هي دولة طبقة، تقمع الطبقات المسودة، تحافظ على السيطرة الاجتماعية وتمثل المصالح الطبقية للطبقات السائدة، لكن تحتاج الدولة إلى مساحة للتحرك ولا يمكن أن ترتبط بمصالح مجموعة صغيرة من الرأسماليين . فإذا كانت ستحكم باسم مصالح الطبقة الحاكمة بشكل عام، عليها اذن ان تكتسب القدرة علي المناورة ضد اي مجموعة او فرد رأسمالي يخرج عن المسار ليهدد المصالح الرأسمالية بعيدة المدى.
ولا ينفي هذا الطرح الطابع القمعي للدولة، ولكنه يوضح أن الدولة ليست مجرد انعكاس للمستوي القاعدي (الاقتصادي)، وتحتاج الى مساحة للحركة إذا كان عليها أن تنفذ المهام المطروحة عليها.
بولانتازاس ومفهوم الطبقات الاجتماعية
في كتابه “الطبقات والرأسمالية المعاصرة” يناقش بولانتازاس مفاهيم نظرية مؤسسة في الفكر الماركسي، مشتبكا مع الأطروحات التقليدية للحزب الشيوعي الفرنسي حول “الطبقة” و”الحزب” و”التحالف”، وغيرها من المفاهيم في اطار المشروع النظري الماركسي. ويبدأ انطلاقا مما يراه هو بمثابة عجز في استيعاب الحركة اليسارية لاوضاع الطبقات في الرأسمالية المعاصرة ومشكلاتها.
ولكي نمسك باساس مشروع بولانتازاس الفكري علينا أن نحدد ما يعنيه بولانتازاس بـ”الطبقة” اولا، وثانيا أن نتعرف على ما سيؤدي إليه معنى الطبقة عند بولانتازاس من تطبيقات سياسية واستراتيجية، وكيفية معالجته لقضية البرجوازية الصغيرة والطبقة العاملة على حد سواء.
تأسيسا على فهمه البنيوي للنمط الرأسمالي للإنتاج، اي ان النمط الرأسمالي له ثلاث مستويات محددة تتفاعل مع بعضها لتكونه: المستوى الاقتصادي، المستوى السياسي، المستوى الأيديولوجي. يذهب بولانتازاس متبعا منهجية ماركس، الى القول بان أن الطبقات الاجتماعية تتحدد بشكل رئيسي وفقا لدورها في عملية الانتاج، الا ان الاكتفاء بهذا التحديد لن يؤدي إلى النتائج المرجوة. لذلك يذهب بولانتازاس إلى أن المستوى الاقتصادي هو المستوي الحاسم في النمط الرأسمالي، ولكن مع التشديد على الدور الهام والمؤثر للمستوي الأيديولوجي والمستوى السياسي. فرغم أن الاقتصادي هو المحدد الأول، إلا أن تعريف الطبقة يجب ان يحدث وفقا للمستويات الثلاثة.
على المستوى الاقتصادي، فهو يتحدد عند بولانتازاس بناء على عملية الإنتاج، ومكانة الوكلاء المعبرين عن هذه الطبقة علي درجات السلم الاجتماعي، التي يحددها علاقات الانتاج. عملية الإنتاج هي عملية محددة تاريخيا في مجتمع مقسم إلى طبقات، يعبر عن علاقة مزدوجة بين البشرية والطبيعة. هذه العلاقة المزدوجة تتضمن أولا العلاقة بين العمال وأدوات الانتاج، ثانيا العلاقة بين الانسان والانسان الاخر، اي العلاقات الطبقية. هذه العلاقات تتشكل بدورها في جانبين: الجانب الأول هو الملكية، أي السلطة الحقيقة للبرجوازيين لاستخدام الموارد الاقتصادية والسلع المنتجة. ثانيا، هي الحيازة، أي القدرة على تشغيل وسائل الإنتاج. إن عملية استخراج فائض القيمة تتم بالدرجة الأولى في المستوى الاقتصادي، وبالتالي في المستوي الاقتصادي تتشكل الطبقات اولا.
ولكن يصر بولانتازاس على نقطة مهمة في تحديد الطبقات ووضعها في عمليات الإنتاج، فليس كل من يتقاضى أجر مقابل عمله هو عامل، لان ليس كل من يتقاضى اجر يعمل في عملية إنتاجية. اي ان المحدد هنا ليس هو تقاضي الأجر، بل العمل في عملية الإنتاج التي تؤدي إلى هيمنة النمط الرأسمالي وعلاقات الإنتاج الاستغلالية التي تتبع هيمنته، والتي تنتج فائض القيمة.
ولهذه الفكرة موقع رئيسي في منهجية بولانتازاس لتعريف الطبقة، وتشكيل الاستراتيجية الثورية والتحالفات الطبقية.
ويقدم بولانتازاس تفرقة مهمة بين “التحديد الطبقي” و”الوضع الطبقي”. التحديد الطبقي: “يحدد الوجود الموضوعي لوكلاء وممثلي الطبقة في التقسيم الاجتماعي للعمل، أي تلك الاماكن المحددة بعيدا عن إرادة هؤلاء المعبرين عن الطبقة. أما الوضع الطبقي فهو الوضع الذي يميز الطبقة عن الطبقة الأخرى. على سبيل المثال: هؤلاء العمال الذين يساندون أحزاب الطبقات الحاكمة. وعلى جانب آخر، من الممكن لأعضاء من طبقات اخرى ان يتبنوا وضع الطبقات العاملة ومصالحهم مثل المثقفين والبرجوازيين الصغار المساندون للاشتراكية والشيوعية. هذه التفرقة بين الوضع والتحديد الطبقي ستؤثر بشكل مهم على التحالفات الطبقية بين البروليتاريا والطبقات الاخرى، حيث انه من الممكن لطبقات أخرى أن تتبنى مصالح مغايرة لمصالحها.
البرجوازية الصغيرة:
يذهب بولانتازاس إلى أن “تحديد الطبيعة الطبقية للبرجوازية الصغيرة هي نقطة جوهرية بالنسبة للنظرية الماركسية حول الطبقات”. وأنه لا يمكن الاعتماد على تعريفها وفقا لعلاقات الانتاج والمعيار الاقتصادي فقط، بل لا يمكن أن نحددها الا من خلال العلاقات السياسية والأيديولوجية.
يفرق بولانتازاس بين البرجوازية الصغيرة في شكلها القديم و البرجوازية الصغيرة الجديدة. البرجوازية الصغيرة القديمة تتكون من صغار الملاك، الحرفيين، صغار التجار الخ.. أي من يجمعون بين صفة العمل والملكية معا. أما البرجوازية الصغيرة الجديدة هم العمال الذهنيين، المديرين والمشرفين والياقات البيضاء. يرى بولانتازس اذا ان كل من يعمل بأجر في عملية غير انتاجية هم البرجوازيين الصغار الجدد.
يؤكد بولانتازس على أن كل من البرجوازية الصغيرة القديمة والجديدة يشكلون معا طبقة واحدة، وهذه الطبقة لا تنتمي للنظام الرأسمالي بالشكل الكامل، فهي نشأت في إطار الاقتصاد السلعي البسيط، وهو مرحلة انتقالية بين النمط الإقطاعي والنمط الرأسمالي، ولكنها تطورت بشكل كبير مع النمط الرأسمالي.
كما أن البرجوازية الصغيرة لا تعتبر طبقة رئيسية في تكوين النمط الرأسمالي، ولكنها مستقطبة بين البروليتاريا والبرجوازية. وعلى الجانب الآخر، أي على المستوى الأيديولوجي، للبرجوازية الصغيرة في أوروبا سمتين رئيسيتين: رفض راهن للرأسمالية، اعتقاد بحيادية الدولة.
ونظرا لكون الطبقة العاملة تشكل اقلية طبقية في النمط الراسمالي المعاصر، فهي لذلك تلجأ للتحالف بشكل واسع مع البرجوازية الصغيرة باقسامها. وهنا يؤكد بولانتازاس أن البرجوازية الصغيرة ليست جزءا من الطبقات الشعبية، بل وأكد علي اهمية عدم الخلط بين مصالح البروليتاريا والبرجوازية الصغيرة في إطار أي تحالف. ولكن هذا لا ينفي الضرورة الملحة للتحالف بين الطبقتين، مع التركيز على ضرورة تمايز المصالح العمالية لتحديدها، لان اختلاط المصالح الطبقية بين الطبقات المختلفة يؤدي إلى تحول الطبقة العاملة لخادمة مصالح البرجوازية، بل وان تفقد وعيها الخاص.
البرجوازية الوطنية والبورجوازية الكومبرادورية:
وبما ان البرجوازية الصغيرة كطبقة لا يمكن الاعتماد على تعريفها وفقا لعلاقات الإنتاج والمعيار الاقتصادي فقط، بل لا يمكن أن نحددها إلا من خلال العلاقات السياسية والأيديولوجية، هكذا الحال بالنسبة للاجنحة والشرائح في الطبقة البرجوازية نفسها.
وبالإضافة إلى دور الذي يلعبة تأثير العزل في تكوين تناقضات بين اجنحة الطبقة نفسها، فإن هناك حاجة موضوعية لهذا التقسيم بين الطبقة البرجوازية، “فبعض أجنحتها يعين مباشرة على الصعيد الاقتصادي لتكوين وإعادة إنتاج رأس المال: رأس المال الصناعي التجاري والمالي – رأس المال الكبير والمتوسط في مراحل رأس المال الاحتكاري للامبريالية) ولكن بالذات في المرحلة الامبريالية، تظهر تمايزات لا يمكن تعيينها على الصعيد الاقتصادي وحده كالتمايز بين البرجوازية الوطنية والبرجوازية الكمبرادورية”.
والبرجوازية الوطنية عند بولانتازاس هي ذلك الجناح من البرجوازية الذي تتصل مصالحه بتنمية الوطن الاقتصادية والذي يتناقض نسبيا مع مصالح رأس المال الأجنبي الكبير. ويؤكد بولانتازاس أن هذا التمايز يصلح بدرجة أكبر لبعض البلدان المستعمرة لكنه تمايز مهم، فعلي هذا التحديد يمكن تصور تحالف بين الطبقة العاملة والبرجوازية الوطنية ضد الإمبريالية الاجنبية ومن أجل الاستقلال الوطني.
ولا يقصر بولانتازاس وجود البرجوازية الوطنية فقط على البلدان التي تعاني من سيطرة المراكز الرأسمالية عليها، بل ان وجود البرجوازية الوطنية هي مسألة مرتبطة بدرجة معينة من التطور الاقتصادي الاجتماعي . “وفي المرحلة الحالية حيث تتخذ العلاقات الاجتماعية مدي عالميا، يظهر أنه يسهل التحدث عن بورجوازية وطنية. أي بورجوازية مناهضة عمليا للامبريالية الامريكية، ويرجع ذلك الي عالمية رأس المال المتزايدة، والى السيطرة الهائلة لرأس المال الأمريكي، وإلى انحطاط البورجوازية الاقتصادي والسياسي، إلى ميل تزايد في اتجاه علاقات اتكالية غير متكافئة بين مراكز الإمبريالية القديمة (خصوصا أوروبا) والولايات المتحدة الأمريكية. ولكن ذلك لا يعني أنه لا يمكن الحديث عن برجوازية محلية في تلك البلدان”.
وقد وجهت انتقادات عديدة لرؤية بولانتازاس حول مفهوم الطبقة كأداة تحليل وخصوصا حول مسالة البرجوازية الصغيرة، فيذهب كثيرون ان البروليتاري هو كل من يعمل بأجر ولا يملك وسائل إنتاج خاصة به، ويكفي ان تكون قوة عمل معروضة للتأجير من اجل ان يستمر في الحياة، فعملية استخراج فائض القيمة لا تتم حصريا في المصنع.
استراتيجية السلطة الجديدة
رفض بولانتازاس الطرح الذي يعتبر الدولة كتلة متجانسة محصنة ضد الانقسامات، بل ذهب إلى أن السبيل إلى الديمقراطية الاشتراكية عليه ان يدرك ان الصراع الطبقي لا يحدث في خارج الدولة، بل في داخلها ايضا. فلكي يتم الاستيلاء علي السلطة، يجب أن يمتد صراع شامل بالطريقة التي يعدل بها علاقات القوى في داخل أجهزة الدولة، أي الموقع الاستراتيجي للصراع السياسي.
وميز بولانتازاس نفسه عن الإصلاحيين والموجة الإصلاحية التي سادت في فترة ما بين صفوف اليسار الأوروبي، فقد اعتبر بولانتازاس أن الاستراتيجية الإصلاحية لا تعتمد علي الفوز والظفر بالسلطة، بينما تستند استراتيجية بولانتازاس على تحويل علاقات القوى داخل الدولة نحو الجماهير الشعبية، من خلال الاستيلاء على أجهزة الدولة قطعة قطعة.
ويقول ستاثيس كوفلاكيس، عضو اللجنة المركزية لـ سيريزا وأحد قادة الجناح اليساري، ان تحليلات غرامشي وبولانتازاس لعبت دورا رئيسيا في استيعاب الازمة الكبرى في اليونان. فلقد ساعد بولانتازاس سيريزا في صياغة استراتيجية الاستيلاء على السلطة من خلال الانتخابات. “إن السيطرة على الدولة يجب أن تتم من الداخل و من الخارج معا، من تحت ومن فوق معا” “اي حركة ثورية تستهدف الوصول الي السلطة بالطريق الانتخابي يجب أن تعي الخطر التي يحدق بها، وهو ان تمتصها الدولة”، هكذا يقول كوفلاكيس.
بولانتازاس والنظرية اللينينية:
رفض بولانتازاس الطرح الخاص بتحطيم الدولة، وأكد أنه لن تقوم تلك القطيعة التي ستمكن من تحطيمها. فالطريق إلى الاشتراكية يعتمد على مرحلة انتقالية طويلة، حيث تتجه أجهزة الدولة الخاصة بالديمقراطية التمثيلية إلى التوسع، اي ان تتحول الى اجهزة ديمقراطية فعلا بتمثيل الفئات الشعبية داخلها، وهو ما لن يحدث بالطبع إلا في ظل وجود القوى اليسارية في الحكومة.
فقد اعتبر بولانتازاس نظرية ازدواج السلطة التي صاغها لينين، والتي تعتمد علي وجود اجهزة ديمقراطية خارج أجهزة الدولة، نظرية غير واقعية. “فالدولة لن تسمح بظهور سلطة مضادة”.
ويعتقد بولانتازاس أن نظرية لينين حول الثورة (السلطة السوفيتية وازدواج السلطة) بنيت على عدة تصورات خاطئة : 1- أن الصراع هو صراع متقدم للمناورة ويدور خارج قلعة الدولة ويستهدف خلق وضع ازدواج السلطة. 2- قصر الثورة في مجرد الاستيلاء على السلطة، وهو ما ينقصه استراتيجية واضحة للانتقال إلى الاشتراكية. 3- تترك اللينينية سؤال حول كيفية تحويل اجهزة الدولة أثناء التحول إلى الاشتراكية بلا إجابة. وقد أسس بولانتازاس هذا النقد بناء على النقد الذي وجهتة روزا لوبكسمبورج للثورة البشلفية.
وربما قد أغفل بولانتازاس كثير من الأوضاع الخاصة بروسيا، وخصوصا قوة ودور اجهزة الدولة فيها، حيث كانت الدولة متغولة بشكل كبير، ولا يوجد هذا الدور المحدد للمجتمع المدني في الوضع الروسي ما قبل الثورة، كما أن قوى الثورة المضادة امتازت بعنف شديد لم يسمح للثورة بأن تأخذ وقتها في الانتقال البطيء على أسس راسخة نحو الاشتراكية. وكان الطريق الوحيد لمنظمات ديمقراطية للجماهير الشعبية هو خارج الدولة وليس في داخلها. ولكن تبقى قراءة بولانتازاس للتجربة السوفيتية قراءة نقدية تستحق الالتفات إليها والتفاعل معها.
بولانتازاس ناقدا لألتوسير:
وفي كتابه نظرية الدولة، يؤكد بولانتازاس أن تصور الدولة الذي طوره ألتوسير عن غرامشي فيما يخص تقسيم اجهزتها الى أجهزة قمع جسدي وأجهزة قمع ايديولوجي، هو تصور تبسيطي.
ورغم إشادته بهذا التصور، الذي ندين له بتوسيع مجال الدولة في الفكر الماركسي، وإبراز دورها الايدولوجي وحضورها في علاقات الانتاج، الا ان هذا التصور حسب بولانتازاس، ليس كافيا لتفسير مسائل ملحة. فلا يمكن تحديد دور الدولة الاقتصادي من حيث هو عملية يومية، فهي لا تستطيع في هذه المسألة سوي تعيين اطاره (الاقتصاد) بصورة مسبقة، ودورها مقتصر على منع التدخل فيه لعدم إثارة الاضطرابات.
ويعتقد بولانتازاس أن تصور التوسير قديم عن الدولة و يصلح فقط لتحليل الفترات الأولى لتسلم البرجوازية السلطة، وهذا التصور اغفل دور الإجماع الجماهيري الذي تحرص عليه الدولة.
ويأخذ الفاشية في أوروبا كنموذج، فرغم وجود جانب تضليلي ايديولوجي مؤثر وقوي في أسلوب الفاشية للحكم، إلا أنها اضطرت إلى تقديم تنازلات للجماهير من خلال تدابير خاصة ، رغم عدم منع هذه التدابير لاستغلال الشعب من خلال فائض القيمة النسبي.
“إذن مهمة الدولة ليس فقط القمع الجسدي والإيديولوجي من خلال المؤسسات الخاصة بهذه المهام قد نشأ تصور يقول بتقسيم اجهزة الدولة الى قمعية وايديولوجية، وتقع الغلطة الأساسية لهذا المفهوم في قصر مجال الدولة على ممارسة القمع، وعلى إعادة إنتاج الأيديولوجيا السائدة. ثمة سلسلة من الأجهزة، التي تنفذ بطبيعتها وظائف أخرى، غير القمع وغير اعادة الانتاج الايدولوجيا. ومع أن هذه الأجهزة لا تهدف إلى تدخل اقتصادي، فإنها تلعب دورا اقتصاديا ايضا. مثل الإدارة والسلطات القضائية والجيش والكنيسة ووسائل الاتصال …الخ. هذا الدور الاقتصادي تم إهماله تماما، شأنه شأن سلسلة فعاليات أخرى للدولة”.
من وجهة نظر بولانتازاس إذن، إن تمييز التوسير بين اجهزة قمع جسدي وأجهزة أيديولوجية هو تمييز اسمي، فوفقا لمراحل تطور الدولة كمعبر عن التغيرات في التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية التي تنبثق عنها، فإن بعض الاجهزة تستطيع الانتقال من مجال لآخر، والأمثلة علي ذلك كثيرة، أهمها المؤسسة العسكرية التي تتحول في ظروف تاريخية معينة إلى حزب البرجوازية الذي يمارس دورا تنظيميا وايديولوجيا بارزا. وقد تلعب المؤسسات الايدولوجية دورا رئيسيا في تنظيم جهاز الدولة وفي بعض الأحيان إدارته إدارة مباشرة.
بولانتازاس وميشيل فوكو:
اثارت اعمال بولانتازاس جدالا هاما في الحياة الثقافية الاوربية و الفرنسية بالاخص، وتفاعل معه كثير من الفلاسفة والمفكرين في مقدمتهم جيل دولوز و ميشيل فوكو.
فقد اعتبر كل من دولوز و فوكو ان التحليلات الماركسية حول السلطة هي تحليلات مطلوب تجاوزها نظرا لاتسامها بالتقليدية. فقد رفض فوكو التبعية التي بموجبها يتم اعتبار السلطة تابعة لنمط الإنتاج السائد في مجتمع ما، معتبرا بأن الاقتصاد متمثلا في المصنع يفترض آليات السلطة مسبقا، إذ لم يكن من السهولة تنظيم الأيدي العاملة والرفع من مردوديتها لولا توفر تقنيات التأديب وإجراءات الانضباط ووسائل المراقبة. فهناك علاقة مؤكدة بلا ريب بين أنظمة العقاب وأنماط الإنتاج، غير أنها ليست علاقة علة بمعلول.
ويعتبر فوكو بأن القمع والإيديولوجيا لا يشكلان معركة القوى كما يذهب التوسير ، وإنما ذلك الغبار أو “النقع الذي تثيره سنابك الخيل في المعركة”.. فتكنولوجيا الجسد السياسية-كما يسميها فوكو – في المجتمعات الغربية تستمد قواعدها وأساليبها وتقنياتها من علوم البصريات والميكانيكا والفسيولوجيا ،فلا حاجة بعدئذ إلى العنف والإيديولوجيا.
إن مفهوم السلطة في فكر ميشيل فوكو لا يستند على فلسفة في التاريخ ، أو”رؤيا للعالم” ، أو نظرية سياسية محددة ، وإنما يرتكز على منظور استراتيجي يركز بالدرجة الأولى على واقع الصراعات التي تخترق الحقل الاجتماعي: “فالسلطة ليست مؤسسة،كما أنها ليست قوة معينة وهبت للبعض :إنها الاسم الذي نطلقه على وضعية استراتيجية معقدة في مجتمع معين”.
وبعد أن كان بولانتازاس يتجاهل تماما فوكو كمفكر، التفت إلى اطروحاته بعد أن ذاع صيت هذا النقد الموجه إلى مفهوم الماركسية عن السلطة. كتب بولانتازاس: “عندما طور فوكر مفهومه الخاص للسلطة، استهدف بهجومه ماركسية غير محددة، قصصها وفق مزاجه و صنع منها مخلوقا كاريكاتوريا”.
وممكن إجمال رد بولانتازاس علي فوكو في عدة نقاط :
1- يرد بولانتازاس شارحا موقفه كماركسي ؛ أن حقل السلطة هو حقل روابط محدد بدقة ، أن سلطة طبقة ما ليست جوهرا تمسكة بين ايديها، و ليست حجما قابلا للترجمة الكمية. إن سلطة طبقة هي باديء بدء، تعبير عن موقعها الموضوعي داخل الروابط الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية. ويشمل هذا الموقع ممارسات الطبقات المتصارعة ، اي روابط متفاوتة للسيطرة والإلحاق مسجلة في التقسيم الاجتماعي للعمل، كانت على الدوام روابط سلطوية. إن موقع كل طبقة، وبذلك سلطتها، محددان ومعينين من خلال مواقع الطبقات الأخرى. فليست السلطة إذا مرتبطة بطبقة بذاتها، بل هي تنتج عن منظومة عقلانية لمواقع مادية.
2- من وجهة نظر بولانتازاس؛ أن تصور فوكو، يحبط أية مقاومة ممكنة للسلطة. إذا كانت السلطة موجودة على الدوام، وكأن كل وضع سلطوي مبرر بذاته، فلماذا اذا يجب أن توجد المقاومة، وكيف ستكون ممكنة؟
3- يدافع بولانتازاس عن ما يمكن إجماله في مفهوم حرب المواقع لدى غرامشي، فطرح فوكو لضرورة البقاء خارج السلطة هو أمر مستحيل، أن المرء لا يستطيع أن يضع نفسه خارج السلطة وأن يتخلص من روابطها، بل عليه أن يندمج فيها بهدف هدمها وتحويل مسارها، فهي النهاية السلطة هي حصيلة توازنات الصراع الطبقي.
خاتمة
لقد اثارت اعمال بولانتازاس فور نشرها نقاشات وجدالات محتدمة بين صفوف اليسار، وبالاخص الحزب الشيوعي سواء الفرنسي او اليوناني، ولاقت نقدا لاذعا وشديدا سواء من قبل ممثلي التفسيرات الجامدة للماركسية، أو من قبل ممثلين لتيارات يسارية أخرى. لقد طرح بولانتازاس استراتيجية جديدة نحو السلطة بالنسبة لليسار الأوروبي، استنادا على دراسة علمية وإحكام نظري غير مسبوق، مما جعله يشدد علي ان ما يطرحه مرهون بالوضع الرأسمالي في أوروبا ولا يمكن أن يتم تعميمه على أشكال أخرى من الدولة الناتجة عن انماط انتاج مختلفة. فقد تمكن بولانتازاس ان يقدم مرشدا فكريا لحركات يسارية لاحقة له تبنت طرحه، وبالفعل تبين أن الطريق مفتوح لوصول اليسار إلى السلطة في أوروبا بالآليات الديمقراطية، فنحن نشهد الآن حكومات يسارية في كل من اليونان و اسبانيا و البرتغال، ولكن لا تزال التحديات قائمة أمامها، فلم تنضج هذه التجارب بعد لتحقق الاستراتيجية التي رسمها بولانتازاس، أي أن تعدل التوازنات داخل الكتلة الحاكمة لصالح الطبقات الشعبية، وتستولي على أجهزة الدولة بناء على هذا التعديل.
وقد يبدو في معرض الحديث حول الخصوصية القطرية للنظرية التي قدمها بولانتازاس، أن أعماله لا تساهم في تحليل الوضع العربي و العالمثالثي بشكل عام، إلا أن الاستيعاب الحقيقي والنقدي لأعمال بولانتازاس يعطينا مفاتيح منهجية للبدء في وضع الأساس لمشروع نظرية الدولة للدول العربية. فبدون معرفة بالدولة و قوانين عملها الخاصة، بصفتها مستوى يحمل استقلاليته النسبية، فان مشروع اليسار كبديل عن التيارات الرجعية والانظمة الاستبدادية لن يكون ممكنا.
المصادر:
بولانتازاس، نيكوس: السلطة السياسية والصراع الاجتماعي.
بولانتازاس، نيكوس: نظرية الدولة.
بولانتازاس، نيكوس: الطبقات والرأسمالية المعاصرة.
بولانتازاس، نيكوس: الماركسية والطبقات الاجتماعية.
بولانتازاس، نيكوس: الدولة، السلطة، الاشتراكية.
بولانتازاس، نيكوس: الفاشية والديكتاتورية.
جيسوب، بوب: نيكوس بولانتازاس، النظرية الماركسية والاستراتيجية السياسية.
https://www.elyasarelyoum.com/
 
Copyleft © 2015 التثقيف الشبابي
Powered byBlogger